الدليل الخامس لعدم جواز العدول:

حكم:- قال في التنقيح (1) ما معناه: ان المكلف الذي يعدل من حي إلى حي اما ان يعلم بمخالفة الثاني للأول أو لا يعلم فأن علم فلا يجوز العدول إلى الثاني كما لا يجوز ان يبقى على الأول لسقوط الفتووين بالمعارضة ولأن الدليل لا يشمل صور المخالفة بل اللازم عليه الاحتياط فأن لم يعلم حرمت الفتويان حين يعلم ووجب الاحتياط وعفى من اثم العدول ومن اثم البقاء لعدم علمه.
قلت سبحان الله فأن هذا يحرم التقليد بالمرة لعلم كل المسلمين ابصعين اجمعين بأن الخلاف قائم بين كل العلماء في اكثر المسائل ان لم يكن في كلها فكيف جاز التقليد لطرف يخالف اطراف اخرى وبهذا يصبح ادلة التقليد النقلية والعقلية علمية فقط لا تطبيقية واجيب أيضاً بأن مقتض الادلة النقلية والعقلية التخيير بين المتعارضين وثانياً- يمكن ان لا يعلم بالمخالفة بينهما حتى بعد العمل مثل لو حج قبل عشر سنين والآن قلد مرجعاً آخر وعمل على فتواه فهذا الدليل اخص من المدعى وثالثاً – ينجز هذا الاشكال فيما عدل المجتهد عن رأيه فأن الدليل لا يشمل المتعارضين فيحرم تقليده لحرمة اجتهاده اذ أنه تناقض من رأي إلى آخر مناقض له.
الدليل السادس: للسيد الروحاني (رحمه الله) ما معناه ان العدول لا يخلو عن امرين باطلين اما التبعيض واما نقض اثار الحكم فتوى السابق فأن الصلاة في يوم الجمعة فيبعضها مرة يصلي ظهر واخرى يصليها جمعة ةصلاة القصر حكم كلي مرة يصليها قصراً بفتوى هذا واخرى تماماً والحكم ببطلان الصلاة في مدة من السنين أو الشهور كما إذا قلد من يقول بالتخيير بين القصر والتمام في حرم امير المؤمنين(ع) وصل تماماً في السفر ثم من يقول بالقصر فيتبين بطلان التمام بحسب فتوى الثاني ودذا إذا صلى قصراً في السفر ثم قلد من يقول بالتخيير فصلى مدة سنين تماماً ثم قلد من يقول بتعين القصر فيتبين بطلان التمام وهكذا ويرد عليه أيضاً بالنقض فيما إذا تبدل رأي المجتهد أو وجب عليه العدول كما في بعض الفروض وبعض الاقوال وأنه اخص من المدعى اذ تمثيله لا يأتي على كل اقسام العدول وثانياً- ليس تبعيضاً للحكم الكلي الواقعي وانما تبعيضاً للفتوى الظاهرة والطريق للحكم الكلي وهو الطريق المأمور به ولو علم ان هذا لم يوصل لما اتبعه وقد اتفقوا في الاصول على ان من عمل بالمأمور به على وجهه اجزى عمله وهذا مطلق يشمل عمله على الفتوى الأولى أو الثانية أو الثالثة ويشمل المجتهد الأول والثاني المخالف له أو الثالث أو العاشر كما يشمل المجتهد الذي عدل عن فتوى إلى اخرى أو إلى فتوى ثالثة وهكذا والنتيجة عدم وجه للقول بحرمة العدول من الحي إلى الحي ابداً.


القول الثالث: وهو التفصيل
حكم:- فصل صاحب هذا القول بين ما قلد والتزم أي قصد البقاء عملياً على تقليده فيجب عليه البقاء ولا يجوز العدول وبين من لم يلتزم بالبقاء فيجوز له العدول اذ من يضمن نفسه أنه لم يغير رأيه لسبب أو آخر ومن يضمن حياته وما يبتلى فيها من التنقلات وتغير الاعمال والنوايا والمقاصد ومثلوا له بمن عقد امرأة بالفارسي على فتوى الأول ثم انتقل إلى من يبطل العقد بغير العربية والماضوية وسبق الايجاب وما شابه تلك الشروط فيجب عليه ترتيب اثار الزوجية فيجب عليه الوطي ويجب عليه النفقة والارث ولا يجوز العدول في هذا العقد لأن العقد دائم ومقصود به الالتزام بهذا التقليد وبين تزوج امرأة بالفارسي بعد العدول إلى الثاني الذي يحرم العقد بالفارسي فأنه يجوز ان يتخذها زوجة على تقليد الأول ويجوز ان يفارقها بحكمه بتقليد الثاني وهذا ينسب إلى الجواهر (رحمه الله) وهو تفصيل غريب ففي المثال الأول ليس بقاء الزوجية بسبب التزام المكلف بالبقاء وعدم التزامه وانما لطبيعة العقد فأنه دائم وهو نظير ما إذا تزوج اخت اخته من الرضاعة بتقليد من يقول بعدم عموم المنزلة وولدت منه ولداً ثم قلد من يقول بعموم المنزلة وتحريم هذه المرأة فهل ينقلب الولد ولد شبهة بعد كونه لود نكاح وينقلب مهر الزوجه إلى مهر المثل ويبطل المسمى ومثل لو اكل اكلاً قد احلته فتوى وقد إزدرده فقلد من يقول بتحريمه فهل يجب ان يقيئه على القول بوجوب قيئ الحرام إذا قلنا بجواز العدول في هذه الحال وثانياً ان هذا التفصيل يدل على جواز العدول مع تصحيح الاعمال السابقة سواء بقيت اثارها ام لم تبق وهو قول معقول ومقبول ولكن المفصل لم يتعرض لهذه النتيجة فأنه ربط العدول بمقصد المكلف.
وثالثاً: إذا عقد على الأولى بالفارسية بتقليد الأول وهو لم يقصد البقاء على التقليد الأول أو لم يقصد البقاء على زوجيتها بل قصد طلاقها بعد مدة ثم عدل ولم يطلق فهل يلتزم المفصل ببطلان النكاح بسبب قصد المكلف عدم البقاء على التقليد أو على النكاح؟.
رابعاً- إذا تزوج زوجة باللغة الفارسية في زمن تقليده للأول ثم تزوج اخرى أيضاً بالفارسية في زمن تقليد الثاني المبطل للعقد بالفارسية فهل يلتزم بحقوق الزوجية للأولى ويحرم عليه الثانية؟ ولكن التفكيك بين الاحكام موجود في الشريعة فعليه فالعقد الأول صحيح والثاني باطل ان اصدرنا على العمل بالفتوى الثانية بالزوجة الثانية.
القول في: الاجازة للاعلم وعدمها للمسأوي (2)


حكم:- اشتهر في المتاخرين والمعاصرين ايجاب تقليد الاعلم وجواز أو وجوب العدول اليه وفيه اقوال:
1- جواز العدول إلى الاعلم.
2- الوجوب.
3- الحرمة.
4- الاخذ بأحوط القولين مع العلم بالمخالفة تفصيلاً أو ولو اجمالاً.
5- وجوب العمل بالاحتياط وترك القولين.
6- التفصيل بين غير الاعلم المطابق قوله للاعلم من الاموات فلا يجوز العدول عنه ومن لم يطابق فيجوز.

 

القول الأول:
حكم:- ذو الظاهر من العروة اذ استثنى من حرمة العدول واستدلوا له بالجمع بين حرمة العدول وبين وجوب تقليد الاعلم مع عدم ثبوت رجحان لأحدهما الا أنه نسب إلى المشهور تساقط الدليلين المتعارضين والرجوع إلى الاحتياط لأن الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة كذلك ورد بأن التساقط في الدليلين المتعارضين الذين كل واحد منهما دليلته مطلقة مسلَما أو ضلي عن المعارض واما لو كان دليلية الدليل وهو حرمة العدول أو وجوب تقليد الاعلم من باب الاصول العقلية التي تمسكوا بها في اثبات ذلك مثل اصالة التعيين التي تزول بأدنى شبهة دليل معارض وهنا كذلك فليس حرمة العدول سارية المفعول حتى إلى الاعلم ولا وجوب الاعلم حتى إذا استلزم العدول وقال السيد الشيرازي(قده) في الاستدلال على جواز العدول إلى الاعلم (وذلك لعدم جريان ادلة المنع هنا اما الاجماع فقد تقدم أنه فيما لا يكون احدهما اعلم واما دوران الامر بين التعيين والتخيير فلعدمه هنا اذ قد تقدم ان هذه القاعدة هي فيما لا يكون احتمال التعيين في كل من الطرفين موجوداً وما نحن فيه كذلك يحتمل تعين المعدول عنه لأنه اخذ بالحجة ويحتمل تعين المعدول اليه لكونه اعلم)(3) والظاهر ان هذا اهم ما يستدلون به لحرمة العدول والا فهناك الاستصحاب ولو المخالفة القطعية وتساقط الفتويين ودوران الامر بين باطلين.. وغير ذلك مما مر دفعه وبيان ضعفه.

 

القول الثاني: وجوب العدول إلى الاعلم
حكم:- اشتهر هذا القول في المعاصرين تبعاً للجواهر والانصاري والمجدد الشيرازي وغيرهم قدس الله ارواحهم ودليلهم ان ايجاب تقليد الاعلم لا فرق بين سبق غيره وبين الابتداء ومناقشته: أنه سبق ان دليلهم على لزوم تقليد الاعلم وهي اصل التعيين والاقربية إلى الواقع والاجماع والاخبار العلاجية والاخبار الخاصة مثل: (اختر للحكم افضل رعيتك) وقد دفعناه في اصل المسألة ان في عدم وجوب تقليد الاعلم وبالاضافة إلى ذلك ان لزوم تقليد الاعلم لأصالة التعيين وهو اصل غير محرز وغير تنزيلي وحرمة العدول لأستصحاب الأول حكماً وموضوعاً وهو اصل محرز وتنزيلي أي ان الحالة الثانية بمنزلة الأولى فهو مقدم عليه.


القول الثالث: حرمة العدول حتى إلى الاعلم
حكم:- في صريح الشيخ كاشف الغطاء قال الشيخ حسن صاحب انوار الفقاهة وهو شرح كشف الغطاء قال فهل يجوز العدول طلباً للفضيلة وكذا لو كان اعدل ام لا يجوز؟ وجهاد التعارض دليل وجوب تقديم الفاضل بوجوب البقاء وحرمة العدول ولا يبعد تقديم دليل حرمة العدول مطلقا لقوته وانصراف ادلة وجوب تقديم فاضل لغير محل الغرض)(4) واستدل أيضاً ان الاعلم ان كان لأصل التعيين فأستصحاب حرمة العدول إذا لم يكن اعلم ثم صار اعلم ويتم في غيره بعدم الفصل حاكم عليه جهتين الشرعية والتنزيلية هذا على مبنى بعضهم كما علمنا وهذا القول أيضاً فيه الاشكال الذي قلناه على الاقوال السابقة اذ العدول واقع من مجتهد واحد فإذا اجزناه لازم الاجازة للعدول من مجتهد إلى اخر.


القول الرابع: وجوب الاخذ بأحوط القولين
حكم:- وهذا القول من جهتين وهو اما كان المعدول اليه اعلم فيجب العمل بأحوط القولين لأنه بين محذورين محذور حرمة العدول ومحذور ترك اتباع الاعلم وإذا كان متسأويين فلا يجوز العدول وبعضهم قيد ذلك بما إذا علم تفصيلاً من غير مخص لأن مقدمة المعرفة مقدمة الوجوب لا مقدمة وجود ومقدمة الوجوب لا يجب فيها الفحص وآخرون أوجب الاحتياط حتى مع العلم الاجمالي بالمخالفة فيما كان العلم الاجمالي منجزاً للتكليف بالشروط مثل من كونه محصور وموضع الابتداء ومستندهم على التفصيل الجمع بين عدة ادلة منها:
1- عدم جواز العدول.
2- ما دل على وجوب تقليد الاعلم.
3- ما دل على الاحتياط بسبب التخالف من المجتهدين المتسأويين.
واما العراقي في حاشية العروة اجاز العدول إذا كان المعدول اليه اعلم أو متسأوياً ومرافقة السيد ابو الحسن (رحمه الله) وهو يوجب العدول إلى الاعلم والشيخ زين العابدين (رحمه الله) كذلك والظاهر ان الذين يجوزون حتى إلى من لا يجوز العدول أو عمن لا يجوز وان الذي لا يجوز لا يجوز حتى عمن يجوز وإلى من يجوز العدول.


القول الخامس: وجوب العمل بالاحتياط
حكم:- وجوب العمل بالاحتياط مع اختلافهما في الفتوى بدليل العلم الاجمالي بأن لكليهما حجة شرعية ورد بأنه مع احتمال التخيير يدور الامر بين الاصعب والايسر أو بين الاكثر والاقل والايسر هو التخيير وهو ما يقتضيه سهولة الملق والاشد يحتاج إلى دليل وهل يوجد عالم مطابق فتواه مع آخر في مهمات الاحكام والمبتلى بها بالخصوص؟ فأن القول يعود بالاخرة إلى منع العدول مطلقاً وهذه الاقوال كلها لم تدل حول الأوثق وأونفع للامة الاسلامية وانما تؤكد على الاعلمية كان ما يدفع الاخطار العظيمة عن الاسلام والمسلمين وعن المذهب الحق هو العلمانية وليس الأورعية والجهاد والعمل وخدمة الدين والدفاع عن حياضه والوقوف في وجوه المشككين والمعتدين بالسلاح والقلم واللسان مقابلتهم باللسان والقلم والحجج العظيمة الرافقة.


(1) البيان 1/371 عن التنقيح 1/93 و103

(2) وهذا ذيل م11 من العروة في البيان 1/386

(3) الفقه 1/116

(4) شرح كشف الغطاء المخطوط 45 عنه البيان 1/392