الثاني: مفهوم الوصف:

حكم: الوصف المبحوث عن مفهومه ما يعم النعت والحال والتمييز والمكان والزمان والالة والهيئة وبعبارة فلسفية يشمل المقولات التسع التي جمعها الحكيم السبزواري بهذا البيت:

زيد طويل أزرق ابن مالك

في بيته بالأمس كان يتَّكي

بيده سيف لواه فالتوى

فهذه عشر مقولات سوى

 فزيد يمثل الجوهر والتسعة هي الأعراض أي الأوصاف العارضة على المادة وهي الحجم أو اللون والأضافة والمكان والزمان والوضع والملك والفعل والأنفعال أي أن كل وصف يصلح ان يكون قيداً لموضوع التكليف.
حكم: يشترط في الوصف المبحوث عنه أن لا يكون هو نفسه موضوعاً للتكليف كقوله تعالى [وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا](1) وإلا يكون من مفهوم اللقب وسيأتي وهذا المفهوم كقول الشرع (في الغنم السائمة زكاة).
حكم: يشترط بالوصف المختلف بالعمل بمفهومه أن لا يكون مسأوياً أو أعم مطلقاً مثل إذا كان الإنسان أدمياً فأكرمه فإنه إذا انتفى الأدمي فقد انتفت الأنسانية عنه أيضاً هذا في جملة الشرط ومثله بالوصف الأنسان الأدمي أكرمه والأعم مطلقاً مثل الحيوان الخاص فلا تشتره فإنه إذا انتفى النمو فقد انتفى الموضوع وهو الحيوانية وانتفى بما هو أوسع من الحيوان وهو النبات وكذا لا يصح الأعم من وجه ويصح المفهوم بالوصف الأخص من موصوفه مطلقاً مثل إذا كان الرجل متديناً فأكرمه فمفهومه إذا كان غير متدين يعني فاسقاً فلا تكرمه هذا في الشرط ومثله بالتعبير بالوصف الرجل المتدين أكرمه وكذا يصح المفهوم إذا كان الوصف أخص من وجه عن موصوفه كقول أشتر الطيور البيض يعني لا تشتر الطيور غير البيض وقول المتشرعين (في الغنم السائمة زكاة) يعني لا زكاة في الغنم غير السائمة يعني المعلوفة ويصح المفهوم لإنه قصد مورد أفتراق الموصوف (الغنم) عن الوصف (السوم) ولم يبحث بما يشمل مورد أفتراق الوصف عن الموصوف أي إنه قد غض النظر عن السوائم غير الغنم وإنما أخبرك عن حكم الغنم السائمة فقط فالمأمور بالزكاة لم يستفد من هذه العبارة حكم البقر أو الأبل السائمة أو غير السائمة.
حكم: من الموارد التي لا يعمل فيها بمفهوم الوصف إذا كان ذكر الوصف غير معتمد عليه وإنما كان للغلبة وكثرة الاستعمال كقوله تعالى [وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ](2).
فإن الربيبة وهي بنت الزوجة المدخولة تحرم عليك سواء تربت في حجرك أو كبرت وبلغت في حجر غيرك وقد وصف التحريم بالحجر لإنه الغالب وليس دائماً.
حكم: اختلفوا بالعمل بمفهوم المخالفة في الوصف والمشهور قالوا بعدم العمل والخلاف يرجع إلى أن تقييد الموصوف بالوصف هل تقييد لنفس الموصوف أي الموضوع فلا يصح أن يكون له مفهوم لإنه ينتفي الموضوع عند انتفاء وصفه لأن الحكم منوط بنفس الموصوف أو أن الحكم منوط بالوصف فقط فإذا انتفى الوصف أنعكس الحكم وخولق كما مثلنا أن في الغنم غير السائمة لا زكاة والأقرب العمل بالمفهوم إلا إذا كانت قرينة على أن الحكم منصب على الموضوع بالذات وإن كان ملازماً للوصف ومع هذه القيود فالأصل وجود مفهوم للوصف ولو من باب الترتب فإن المولى إذا أمر بشيء وقيده بوصف ولا قرينة على عدم الطلب عند عدم الوصف فلا يبعد أن يقال بالعمل بالمفهوم إذ كما قيل أن الأصل بالقيود احترازية للحكم لا للموضوع والأصح أن شامة الفقاهة يلزم أن نعملها في كل مثال على حدة فلا نطلق العمل بالمفهوم ولا نطلق العدم.


(1) المائدة: 38.

(2) النساء: 23.