اشكالات على الشهادة بالاجتهاد:

قانون: اشكلوا بأن الاجتهاد امر نفسي فلا يمكن ان يطلع عليه تماماً وقد ورد في الحديث كقول النبي(ص): وقد سئل عن الشهادة قال هل ترى الشمس؟ على مثلها فأشهد أو دع) وخبر علي بن غياث عن ابي عبد الله(ع): لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك وعليه فلا يقبل بالبينة الامور الحدسية كالاجتهاد والعدالة ولا يثبتان الا بالعلم الوجداني والشياع أو التواتر وهي تعريف العدالة: هي ملكة راسخة في النفس) فلا يسهل استظهارها والقول بأن العدالة من الحدس القريب من الحس ليس مما ينبغي لأشتراطها بعدم الرياء والعجب ونحوهما مما يصعب جداً كشفه بسرعة وقد ورد في الرياء أنه: أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء) وكذلك مثل الزندقة ولا يمكن كشف اسرارها وفي خبر مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد الله(ع): ان امير المؤمنين(ع) كان يحكم في زنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيان وشهد له الف بالبراءة يجيز شهادة الرجلين ويبطل شهادة الالف لأنه دين مكتوب)(1) وكالسحر وقد اختلف في موضوعه ومصداقه كبار العلماء ولا يمكن معرفته الا بالحدس وقد يثبت بالشهادة فالشهادة تدعمها الظهورات والاطلاقات بشمول حجيها في كل هذه الامور ففي الصحيح عن النبي(ص) وقد سئل عن الساحر فقال: إذا جاء رجلان عدلان فيشهدان عليه فقد حل دمه)(2).
الثالث: مما يعرف به الاجتهاد شهادة الواحد الثقة.


حكم:- اختلف الفقهاء هل يكفي شهادة الواحد الثقة بأجتهاد المجتهد أو بعدالته أو بفتواه وهل ايات واخبار البينة هي اعم من الالزام بالتعدء.
الجواب:ان البينة كما قلنا في اللغة هي كل شيء بائن ومبين ولو لم تكن شهادة انسان متكلم فإذا رأينا فيلماً سرقه انسان ليراه فتلك الرؤية بينة على سرقته واما شرعاً فحقيقته التعدد ولا يبنى على كفاية الواحد بعنوان البينة الا مجازاً وهناك آيات وروايات تصرح في عنوان ومفهوم البينة التعدد كما ورد عن الامام الصادق(ع) (كل شيء حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة)(3).
والاية الكريمة [وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ](4).
وقال تعإلى [إذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ] من المؤمنين (أو آخران من غيركم..)(5)
واما الحوادث في الناس فمختلفه بعضها تحتاج إلى شهادة اربعة كالتهم بالزنا واكثرها لا تثبت الا برجلين وقد تبل برجل وامرأتين كما في الامور القضائية المالية كما ذكرنا آنفا وبعضها بشاهد ويمين وبعضها يكفي شاهد واحد كما عن اثبات خبر وليس في حالة النزاع والتكاذب كما في الاية (وشهد شاهد من اهلها..)(6).
ولكن هذه الاية ليست من باب الشهادة بل من الفات النظر إلى علامات الامانة والخيانة ولذا صدرت من طفل بالمهد ولو كانت شهادة لما صحت الا من بالغ عاقل وبعض الامور تثبت بالنساء فقط كما في الولادة لحرمة رؤية الرجال للفرج عند الولادة فالحوادث التي تثبت بالواحد لا بشرطان نسميها بينة وانما هي شهادة مطلقة أو نسميها اخباراً أو تعليماً وعلى ذلك قامت اسواق البشرية وتعلمت العلوم واشتهرت الاخبار وعمل به
كما ورد:(كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام)
وكذلك الحديث في التعلم والتعليم قال الامام(ع): إئت ابان بن تغلب فأنه قد سمع مني حديثاً كثيراً فما رواه لك فأروه عني)(7).
وكذلك قال(ع) من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا)(8).
وكذا (العمري ثقتي فما ادى اليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول)(9) ومن العجب ان يختلفوا في لزوم التعدد وعدمه في الشهادة وقد نقل لهم اربعة اقوال
1- لزوم التعدد مطلقاً.
2- عدم اللزوم مطلقاً.
3- اللزوم الا في حال الاضطرار.
4-الاختلاف بين الموارد وهذا القول هو الظاهر من الكتاب والسنة المعصومين(ع) وما ادري بأي وجه اختلفوا عن هذا ومن مصاديق القول الأول وادلته،ان صاحب العروة (رحمه الله) قد اشكل في موارد عديدة في باب المياه والنجاسة وغيرهما ولم يعلق عليه المعلقون واستدلوا بالاصل والاجماع والاستقراء ادعاه صاحب الرياض (رحمه الله) وهي كما ترى.
واستدلوا ببعض الاخبار منها(كل شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة).
ورد بأن: ان ثبت في هذا المورد للنص مكنابه ولا نقيس على بقية موارد الشرع وقوله (كل شيء) ليس لعموم موارد الشرع بل لخصوص المشتبه أنه ميتة أو مذكر اقول: ان سلمنا العموم فلنشترط التعدد فيما خالف الاصول والامارات الشرعية مثل مخالفة اليد وسوق المسلمين حمد عمل المؤمن على الصحة وماشابه ونبقى على ما يدعم الاصول على اثباته بدون تعدد فلاحظ جيداً.
القول الثاني عدم لزوم التعدد مطلقاً استدلوا ببناء العقلاء وعدم ثبوت الردع.
ورد: اما بناء العقلاء فثابت للثقة وهو اعم من العدل واما الرد فقد قاله جمع ومنه حديث مسعدة حيث خسر البينة بالاثنين واشكل في سندها
واجيب:أنها مقبولة نظير مقبولة ابن حنظلة أنه من رجال كامل الزيارات وتفسير علي ابن ابراهيم وان العلامة قد صحح طريق الشيخ والصدوق اليه)(10) وقد فتى الشيخ الانصاري على طبقها في الاصول والفقه ونسبها إلىالامام الصادق(ع) فقال: وقد قال الصادق(ع): كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام وذلك مثل الثوب يكون عليك..)(11).
وصفها بالموثقة فقال: في سماع صوت الاجنبية قال: الموثقة مسعدة بن صدقة: (لاتبدؤا النساء بالسلام)(12) وفي رسالة التقيه قول الامام(ع): في موثقة مسعدة بن صدقة)(13) وغير الشيخ الانصاري (رحمه الله) كذلك في كثير من الموارد تراهم في الفقه يثبتون حجية خبر الثقة الواحد.
ومن قول المسالك في قال: العمل بالموثق خروج عن قيد الايمان)(14) يعني ان العمل بها يسقط شرط الايمان في الرأوي وهو معلوم ومشهور العمل به نعم ان المراد بالبينة هنا مطلق الابانة المطمأن اليها وليس خصوص الشاهدين الروايات في كفاية العدل الواحد.


حكم:- قد ردت عدة روايات في كفاية الواحد ثقة في الشهادة منها.
1- صحيح علي بن يقطين عن الامام الكاظم(ع) قال: سألت ابا الحسن(ع) عمن يلي صدقة العشر على من لا بأس به فقال) ان كان ثقة فمره يضعها في مواضعها وان لم يكن ثقة فخذها انت وضعها في مواضعها)(15).
2- صحيح هشام عن الامام الصادق(ع): ولو كاله ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه)(16).
3- سماعة المضمرت: سألته عن رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار من غير وصية وله خدم ومماليك وعقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال ان قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس)(17).
4- سماعة المضمرة: سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال ان هذه امرأتي وليست لي بينة فقال ان كان ثقة فلا يقر بها وان كان غير ثقة (فلا يقبل منه)(18).
5- يونس المضمر: سألته عن رجل تزوج أمراة في بلد من البلدان فسألها لك زوج؟ فقالت لا فتزوجها ثم ان رجلاً اتاه فقال هي امرأتي فأنكرت ذلك ما يلزم الزوج؟ فقال هي امرأته الا ان يقيم البينة)(19).
6- موثق البختري عن ابي عبد الله(ع) في الرجل يشتري الامة من رجل فيقول اني لم اطأها فقال ان وثق به فلا بأس ان يأتيها)(20).
واشكل على الحديث الرابع لسماعه قال في الجواهر: لم اجد عاملاً به).
قلت بالعكس بل هو على القاعدة فأن المرأة تصدق على فرجها والذي ادعى زوجيتها يحتاج إلى بينة موثق اسحاق عن ابي عبد الله(ع) قال سألته عن رجل كانت له عندي دنانير وكان مريضاً فقال ان حدث بي حدث فأعط فلانا عشرين ديناراً واعطي اخي بقية الدنانير فمات ولم اشهد موته فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي أنه امرني ان اقول لك انظر الدنانير التي امرتك ان تدفعها إلى اخي فتصدق منها بعشرة دنانير اقسمها في المسلمين ولم يعلم اخو ان عندي شيئأ؟ فقال(ع) ارى ان تصدق منها بعشرة دنانير)(21) وعلق الحدائق بقوله: لا يخفى على من تتبع الاخبار حق التتبع ان المستفاد منها انما هو قبول قول العدل الواحد في غير موضع من الاحكام ومن ذلك هذا الخبر)(22).
وقال في العروة هنا في اثبات الاجتهاد: ولا يعتبر قول الثقة أو العدل الواحد هنا الاهمية المقام ومذاق الشرع في مهام الامور على التعدد) وفيه قد تقدم وفي موارد شرعية كثيرة قد ثبت شهادة الواحد الثقة بل في كل المواضيع ما خلا باب النزاعات كما مر في الحديث الرابع مضمرة سماعة والتقليد ليس بأهم من كل تلك المواضيع فلا كلية لغرض البينة ولا مذاق للشرع في تصعيب الامور على الناس.
والخلاصة: ان موارد المنازعة بين طرفين أو اطراف فلا بد من البينة المتعددة حتى تكون حجة على المنازع المقابل وحرمأنه من دعواه أو نكرأنه واما لأثبات المواضيع التي لا منازعة فيها من اطراف متخالفة ومتكاذبة فأنها تثبت بالواحد الثقة وبهذا قاما اسواق المسلمين وثبتت العقود والمعاملات.


(1) الوسائل ب51 ج1 شهادات

(2) الوسائل ب51ج2 شهادات

(3) الوسائل ب61ج الاطعمة المباحة

(4) البقرة 2/282

(5) المائدة 5/106

(6) يوسف 4 – 12

(7) الوسائل 11/30 صفات القاضي

(8) الوسائل 11/37 صفات القاضي

(9) الوسائل 11/4 صفات القاضي

(10) رجال العلامة 277 عنه البيان 2/326

(11) فرائد الاصول 3/112

(12) النكاح 20/67

(13) رسائل فقهية 23/92

(14) مسالك الافهام للشهيد رح باب الوصايا 6/156

(15) الوسائل ب35 ج1 مستحقوا الزكاة

(16) الوسائل 2/1 الوكالة

(17) الوسائل 88/2 الوصايا

(18) الوسائل 23/2عقد النكاح

(19) الوسائل 23/3 عقد النكاح

(20) الوسائل 6ج1 نكاح العبيد

(21) الوسائل 97/1 وصايا

(22) الحدائق 22/404