العدول إلى الاحتياط:

حكم: يجوز بلا شك ولا إشكال من المشهور إن المجتهد يعدل من اجتهاده إلى العمل بالاحتياط بالمسألة لأن الاحتياط أقرب إلى الواقع أبداً ودائماً كما قلنا أن المقلد جواز تركه التقليد ويعمل بالاحتياط.
نسيان المسألة أو عدم كمال الاجتهاد فيها.


حكم: إذا نسي المجتهد فتوى نفسه أو لم يكمل التحقيق فيها وأنشغل أو تعاجز عن مراجعته بعض كتب نفسه وغيره ليتذكر حلها أو ليكمل الاجتهاد أو تعاجز عن المراجعة وهو يريد أن يعمل أو يجيب سائلا ً عنها جاز أن يعمل أو ينقل للسائل فتوى غيره وهذا لا يعتبر قد خالف فتوى نفسه لأن الناسي وغير المكمل بالتحقيق لا يعتبر مجتهداً.
متمكن الاجتهاد ولم يجتهد.


حكم: للعلماء تفصيل ونقاش في أن الشخص يتيسر له الاجتهاد ولم يجتهد فهل معذور ويجوز له إتباع غيره ويجب عليه الاجتهاد وليعمل برأيه وأرى أنا إذا منعنا لزم علينا تبديل الفقه بفقه جديد فنمنع كل من قدر على إيقاع أو عقداً أو حكم شرعي مادي أو عملي في الأمور العظيمة الجليلة كإدارة التجارات والصناعات الضخمة أو الحقيره كشراء شيء وبيع آخر وغسل أنية وتنظيف مكان مع أن الأسواق للبشرية قائمة على الوكالات والإنابة والأذان للغير بالقيام بشؤون الناس القادرين على قيامها أو غير قادرين والوسائل لتحقيق أي أمر في الدنيا يستعملها كل العقلاء.
حجة المانعين.
أولا ً: أصالة الاشتغال عند دوران التعيين والتخيير والشك بالحجية بسبب عدمها.
ورد: بإطلاق:اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وأشكل عليه بانصراف هذا الإطلاق إلى ما جرت عليه السيرة من أن الجاهل غير القادر أو الذي يعسر عليه التعلم فأنه يسأل وإما الذي يتيسر له ذلك فليس له ترك التعلم.
وفيه أنه لم يرد هذه التفصيل بشيء من الأدلة مع أن أكثر المجتمع خصوصاً في المدن التي يكثر فيها العلماء والباحثون يستطيعون التواصل إلى الأدلة بل كل طلبة العلوم يستطيعون بهمة قليلة أن يجتهدوا بمسائل كثيرة مع أنهم يتخرجون أئمة أو أدباء أو خطباء أو شعراء أو مفسرين وغير ذلك ولم ينصرفوا للاجتهاد المتجزي مقدور يقيناً لهؤلاء بل هو يسير لهم ولم يقل العلماء بالوجوب ولم يردع أحد من المراجع لهؤلاء الفضلاء من اتخاذ علم دون العلم الفقه والاجتهاد فيه وأشكلوا ثانياً على الأطلاق وهو منطوق الروايات مثل قوله(ع) (فللعلوام) أو (عوام شيعتنا) وما شابه وهؤلاء الفضلاء ليسوا من العوام بل بعضهم يحصلون العلم بغير الفقه أكثر من المجتهدين بالفقه.
وفيه: أن العالم بشيء لا يدل على أن يكون عامياً بالفقه فكل علم ينسب الناس له بحسب خوضه وتعلمه ذلك العلم فأن المخترع للآلات وتحديث الصناعات هو عامي بالنسبة للقرآن والإسلام وتعاليم الدين ولذا تراه لا يحسن قراءة آية من القرآن أو لا يعرف حرفاً من العربية.
وعلماء اللغة لم يفهموا شيئاً من الفقه والأصول والقواعد الفقهية وقراء القرآن لم يتعلموا أحكام الآيات والمسائل الشرعية في القرآن والسنة وهكذا فأن العالم بشيء يطلق عليه أنه عامي بالعلم الآخر وإثبات الشيء لا يثبت ما عداه ونفي الشيء لا ينفي ما عداه.
وبالجملة: أن العوام من العامي المطبق الفاضل في شيء وهو عامي بالنسبة إلى الاجتهاد بالفقه وكما لا يحمل العام بالجمل الذاتي على الخاصي كذلك لا يحمل عليه بالجمل الشايع وكذلك لا يحمل الجزئي على الجزئي الآخر المشارك له في الكلية فإذا قلت تصدق يشمل التصدق بدرهم وإذا قلت تصدق بدينار فلا يصدق على التصدق بدرهم لأن الدنيار غير الدرهم والفرس غير الإنسان.


حكم: ثالثاً: عن السيد المجاهد عن جماعة.
أن دليل حجية التقليد أما الفطرة أو العقل أو الأدلة اللفظية والكل بمعزل عن القادر على الاستنباط وأن لم يستنبط فعلا ً أما الفطرة فأنها تريد تحصيل العلم بدون تقليد عالم.
وإما العقل فيقول أن الاستناد (التقليد) إلى من له الحجة واجب من لم يمكنه تحصيل الحجة مباشرة مع أن الاستناد إلى الغير لا يقين ببراءة الذمة والتحصيل للحجة مباشرة يقين البراءة.
وإما اللفظية: فهي لازمة ما دام المكلف يستطيع من تحصيلها بنفسه فلا ينتقل لأتباع غيره في تقريرها وأن قلت الاستصحاب يقتضي جواز تقليد الغير فأن المكلف قبل أن يتمكن من الاجتهاد كأن يجوز له التقليد فنستصحب الجواز.
وثانياً: أن قاعدة الاشتغال غير محرزة والاستصحاب محرز فتقدم عليه وأجابة الموجبون للاجتهاد أن الاستصحاب تعليقي وهو أن القادر علق حاله عليه في حال غير قادر وأن الموضوع مختلف بين القادر على الاجتهاد فلا يستصحب حاله العاجز ونوقش كل ذلك بما معناه.
أما الفطرة فلا أشكال أن العلم كمال للقوت العاقلة فهل أن كل كمال يجب بحسب الفطرة؟
وثانياً: أن كل المراد هو العلم الواقعي وهو الكمال التام ولم يدعيه المجتهد فيتساوى العلم من المجتهد أو من الحجة بدون واسطة والمقلد الذي هو عالم بواسطة مجتهده وأيضاً أن في تحصيل العلم طرقة عرضية وليس طويلة فالعلم الاجتهادي والعلمي منه والعلمي التقليدي كل بينها عرضية لا طولية وإما العقل فقوله: إن الاستناد إلى من له الحجة وظيفة من لا يمكنه الاستناد إلى الحجة فأجيب نقضاً بالرواة الذي رجعوا إلى الرواة وهم قادرون للرجوع لنفس الإمام(ع).
وحلا: أن الذي دل عليه العقل هو الاستناد إلى المجتهد وظيفة غير المجتهد فعلا ً لا وظيفة فلا يخص العاجز عن الاجتهاد وأما الأدلة اللفظية، فانصراف أدلة التقليد عن هذا غير معلوم ومع الشك فأصالة الإطلاق فلا تنصرف إجازة التقليد.
والحاصل: أن الفطرة والعقل والدليل اللفظي متطابقة على جواز التقليد لكل من لم يجتهد فعلا ً سواء كان قادراً على الاجتهاد أو غير قادر.
والدليل الثالث: على عدم جواز تقليد من لم يجتهد لغيره وأن كان قادراً على الاجتهاد أن التقليد بدل الاجتهاد ولا يجوز أن يعمل بالبدل عند القدرة على الأصل كالتيمم بدل الوضوء.
ورد: بأن فرض البدلية الاضطرارية مصادرة إذ هي دعوى تحتاج إلى دليل لا أن تكون هي دليل وعلى كل حال فالأدلة على الجواز: الاطلاقات وبناء العقلاء والاستصحاب.