الشرط الحادي عشر: الأورعية مقدمة على الأعلمية:

حكم: قال في العروة (1) إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخير بينهما إلا أذا كان أحدهما أورع فيختار الأورع المفروض أن يعكس بأن يقدم العدالة والورع وهو تمام العدالة على العلم فأن العلم وبال ولعنة على صاحبه أن لم يصحبه الورع نعم الكلام بالأورعية وظاهر المسألة أنه يوجب الأورعية وقد خالفه في م33 أن قال: (وإذا كان أحدهما أرجح من الأخر في العدالة أو الورع أو نحو ذلك فالأولى بل الاحوط اختياره ومعلوم أن هذا احتياط والاحتياط غير الفتوى وفي حاشية السيد السيستاني (دام ظله) علق على قوله: (أحدهما أورع) قال أي أكثر تثبتاً واحتياط في الجهات الدخلية في الإفتاء وإما الأورعية فيما لا يرتبط بها أصلا ً فلا أثر لها في الباب).
أقول وهذا مشكل بل الظاهر اللزوم في سائر الأحوال بل هذا يكون تفسير الأورعية بالأعلمية فالمسألة على مراحل:
1- عدم الورع بالمرة يعني فاسق متهتك في سيرته وهذا ما سيأتي الحديث عنه في شرطية العدالة.
2- عادل ضعيف الورع في عمله وخدمته للإسلام والمسلمين ويعتبر من القاعدين عن الجهاد باللسان والقلم ولا يجهد نفسه في شيء من ذلك.
3- عادل بتمام العدالة والورع وهو في حالتين حالة في نفسه في شهواته ومطالبيه فأنه يتورع أن يغضب أحداً أو يسلب شيئاً ليس ماله أو يؤخر فرضاً أو يخالف مخالفة صغيرة أو كبيرة وحاله مع الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر العلم وإشاعة التقوى ويكثر الكتب الإسلامية والخطب النافعة الشديدة وتنبيه الغافلين ولو راجعنا خطبة سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء(ع) في وصف أمير المؤمنين(ع) وفي المقابل وصفت ضعات الدين (لرأيت الحوزة العلمية تضم هؤلاء وهؤلاء وهذا حاصل في صغار الطلبة وكبارها والعلماء والجهلاء فقد قالت (عليها وأهل بيتها الصلاة والسلام) كلما قد أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفيء حتى يطأ جناحها (حماضها) باخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدوراً في ذات الله مجتهداً في أمر الله قريبا ً من رسول الله سعيداً في أولياء الله مشمراً ناصحاً مجداً كادحاً لا تأخذه في الله لومه لائم).
وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الأخبار وتنكصون عند النزال وتفرن من القتال)، والتطبيق قد رأينا وسمعنا من علماء الشيعة من هم مجاهدون كادحون لافضون للظلم وناقدون للسلاطين الجائرين ومنبهون للمجتمع على ظلم الظالمين ومبعدوهم من الفسق والفجور حتى بذلوا دماؤهم وأموالهم وآخرين خائفون سامدون لا يحركون ساكناً ولا يخالفون جائراً بل رأينا من العلماء والفضلاء من ساروا في ركاب الظالمين وكانوا عصى لعدوهم على محبهم ولهم الموافق في التخذيل والخنوع والخضوع للمجرمين والظالمين وعليه فأنا أستشكل بتأييد وتقليد هؤلاء وترك أولئك المجاهدين المخلصين العاملين كما أستشكل بالكلام على العلم والأعلمية قبل أن نؤسس هذا الأساس الذي هو الرمز والراية العظيمة التي يلزم على العلماء رفعها ونشرها والإحاطة بها.
أولا: ثم يبحثون نواحي غيرها.
ثانياً: فها هنا تعرف التقوى ويثبت أيمان الرجل ويصدق العدالة والورع وأصحاب البطر والبذخ والترهل والسكون عن الحق والانزواء عن التبليغ لا يستحقون أن نبحث في مقادير علومهم واجتهادهم فضلا ً عن أن نقدمهم ونعرف أعلميتهم وكيف كان فالأورعية في أحوال ثلاثة:
أولاً: حال الاستنباط بأن يدقق ويحقق ويجهد نفسه حتى يستوعب ويحصل على كل ما يحتمل دليلاً للمسألة وهذا يعبر عنه أيضاً بالاعلمية أو أنه يفضي إلى الاعلمية.
وثانياً: الأورع في كل سيرته في الحياة كما قلنا وهذه الدرجة العليا والموجبة لازدياد الثقة بتقليده وهو المطلوب لنصبه علما ً ومرجعاً للمسلمين دون الفاقد لذلك.
وثالثاً: الأورع عند الفتوى فلا يتسرع بالفتوى ويحقق المواضيع حتى يطبق عليها الفتوى ويهرب من توريط المجتمع له بحيلهم والتفاتهم على الشرع وفي الأخبار الورع على درجات ففي مجمع البحرين نقل للورع أقساماً قال: (فمنه ما يخرج المكلف عن الفسق وهو الموجب لقبول الشهادة ويسمى ورع التائبين ومنه ما يخرج به عن الشبهات فأن من (رتع) حول الحمى يوشك أن يدخل فيه ويسمى ورع الصالحين ومنه ترك الحلال الذي يتخوف انجراره إلى المحرم ويسمى ورع المتيقن وعليه حمل قول النبي(ص): (لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع مالا بأسس به مخافة أن يكون فيه بأس).
ومثل: أن يترك الكلام عن الغير مخافة الوقوع في الغيبة ومنه الأعراض عن غير الله خوفاً من ضياع ساعة من العمر فيما لا فائدة فيه ويسمى ورع الصديقين (2).
وبعد هذا كله نرجع إلى حاشية السيستاني (دام ظله) أنه قيد شرطية الورع في الجهات الدخلية بالافتاء يعني حين يستنبط بالتحقيق والتدقيق وحين يفتي لا يتسرع بالجواب خوف أن يخطئ والظاهر أنه أستند إلى ظاهر الخبر فأنه بصدد التفريق بين المخبر الورع من غيره ولكن بعلاقة الحكم والموضوع نفهم أن الورع صفة يجب أن تكون لازمة لمرجع المسلمين في دينه في كل أحواله وكيف يسمى ورعاً وهو فاسق في بعض أوقاته وحالاته


(1) م13.

(2) البيان 3/183 عن مجمع البحرين مادة ورع.