المراد بالأعلم:

حكم: تعرض في العروة (1) قائلا ً: (المراد من الأعلم من يكون أعرف بالقواعد والمدارك وأكثر اطلاعاً لنظائرها وللأخبار وأجود منها للأخبار ولهذا يكون أحسن استنباطاً.
أقول: أما جودة الفهم فهو أول المهمات في الاجتهاد بل هو الذي يعلي بعض غير المجتهدين على المجتهد إذا صادف أن شرح خبراً من الإخبار بأحسن من شرح المجتهد واستفاد منه بأوسع مما استفاد منه المجتهد ولذا قيل (رب حامل علم إلى من هو أعلم منه).
بل هو المناط الأول بالاعلمية ولذا ورد (علينا أن نلقي عليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا الفروع) كما عن الإمام الرضا(ع) وأما العلم بنظائر المسألة فلا بدمنة أيضاً لا لأجل أن يقيس عليها لأن القياس ممنوع عندنا وإنما ليتقوى بها ولا يتعجب هو وتلميذه من كيفية الفتوى بها أو قل لئلا يستوحش ويظن بأنها شاذة في الإحكام.


مثال ذلك: المشكوك الذباحة يحكم عليه بحرمه الأكل بالدليل اللفظي ولا يحكم عليه بالنجاسة لأن أصالة عدم التذكية لا تأخذ لوازمها مع أنه لو كان دليل نقلي يلزم أن يشمل لوازمه ويمثل له بدرهمي الودعي إذ يقسم الموجود الدرهم الباقي على المودعين لقاعدة الأنصاف مع أنه في أصله خلاف الواقع لأن الدرهم لأحدهما وليس لهما وإما كثرة الإطلاع على الأخبار فأمر لازم لبراءة الاستنباط وإلا فيكون اجتهاده ناقصاً إذا أنه عمل باختبار الباب وهناك أخبار حاكمه أو واردة علة هذه الأخبار لم يلتفت إليها والمفروض أن الاجتهاد هو استفراغ الوسع والإطلاع على كل نواحي المسألة حتى يفتي فيها وإلا فهو كالعاصي يأخذ خبراً ويطير به.
ومن مهما تفهم الخبران يعرفه زمان من القي إليهم فربما اشتهر في ذلك الوقت معنى مجازياً له أو قد قصد الإمام(ع) معنى غير الحقيقي له لتقية أو حسب فهم السامع منه وقد ورد (إنا أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقلوهم).
فاللازم أن يعرف المستنبط ظروف ألقاء الحديث وأقوال المقررين قبله وخصوصاً المعاصرين لحديث الإمام(ع) في ذلك فليس أهمية معرفة حقيقة المعاني من مجازيها بقدر أهمية معرفة ظروف الإلقاء وفهم السامع ومن حسن التعبير أن الاعلمية تصدق في أجمعية الكبريات وأحسنيه تطبيقها على الصفريات ومعلوم أن كل هذه الأوصاف لتحصيل ملكه الاجتهاد والملكة قابلة للشدة والضعف نظير الشجاعة والكرم والصبر والتعقل.


(1) في مسألة 17 في التقليد.