الأصول اللفظية:

1- أصالة الحقيقة: بعد معرفة حقيقة اللفظ من مجازه ومن الغرائب عنه لا وجه للفقيه أن يحمل لفظاً على غير حقيقته وظاهر المراد منه إلا بقرائن وذلك بالرجوع إلى أهل اللغة ورؤية استعمالهم وأما قول بعضهم أن الاستعمال أعم من الحقيقة نقول لهم نعم إذا قل وإما إذا تعارف وكثر فنحمله على الحقيقة ولو لم يصرح المستعمل إنه استعمله على الحقيقة فأصالة عدم القرينة معتمدة لدينا حينئذ وهو المشهور.
2و3 - أصالة العموم وأصالة الإطلاق:
حكم: يعني إذا تكلم الإمام(ع) في مورد معين فالمورد لا يخصص والإطلاق لا يقيد فالزمان والمكان والكيفية لا تخصص الحديث مثلاً إذا قال الرسول(ص) لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا إنه لا نبي بعدي).
قالها له حين خرج في غزوة وترك علياً حارساً على المدينة وبعض الناصبية تجاهلوا أطلاق الحديث وقالوا إنه وصية على المدينة في خصوص تلك الوقعة وبحال احتياج المدينة لحراسة من المشركين، وهذا جهل أو تجاهل. وكذلك لا يخصص الإطلاق أحوال الممثل به فإن هارون(ع) قد توفى قبل موسى فلا يدل على أن علياً ليس وصياً من النبي(ص) بسبب أن الممثل به لم يكن بعده لإطلاق حديث الرسول(ص).
والإطلاق: هو اللفظ غير المقيد بحال ولا زمان ولا مكان بظاهره والعموم هو اللفظ المستعمل فيه ألفاظ العموم مثل الألف واللام للجنس مثل الإنسان وهو عام لكل أنسان ومثل كل وجميع والنكرة في سباق النفي مثل لا رجل ولا كتاب.
4 و 5 - ويتبعهما أصالة عدم القيد وأصالة عدم التقدير:
مثل أنا نشك ان ما لم يتم به الصلاة يصح الصلاة بالمتنجس منه فهل هو مقيد بنجاسة معينة أو هو مطلق الجواب الإطلاق: وإما أصالة عدم التقدير في الكلام مثلاً قول الله تعالى [غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ] (1) هل هو مقيد (بهذا العصر أي عصر النبوة) أم هو خبر مطلق كما في الأحاديث إنها من حوادث أخر الزمان وهي من علامات ظهور الحجة(ع) وانتصاره عليهم ويفرح المؤمنون به الأصل عدم التقدير (بهذا العصر).
6و7- وإذا شك بالكلمة إنها منقولة من معنى إلى معنى حملت على أصالة عدم النقل مثل إذا شككنا عن الزكاة إنها منقولة عن النمو وهو لوضعها إلى معنى العطاء والعون للفقراء أو أصل معناها النمو فيقال فلان قد زكى ماله وإلى العطاء بجزء من العطاء فيقال فلان قد زكى ماله وإذا شك فيها إنها مشتركة لفظية فقد قيل عدم الاشتراك وفيه كلام فإنا إذا رأينا أن القرء يستعمل بالطهر ويستعمل بالحيض وشككنا بأن استعماله في أحدهما مجاز أو في كليهما حقيقة الأقرب عندي إنه في كليهما حقيقة وأن كان استعماله في أحدهما أكثر من الآخر إلا إن يكون المعنى الآخر شاذا وغير متبادر لما قلنا بأن الاستعمال الكثير المتعارف المطرد علامة الحقيقة إذا كان الأخر مهجوراً وغير مستاغ والمرجع تباني علماء اللغة ومجتمعها الملتفتين لحقايقها.
والخلاصة أن هذه الأصالات اللفظية يجمعها ومرجعها هو أصالة الظهور فكل معنى ظهر من اللفظ فهو المتبع سواء كان هو على الحقيقة في أصله أو هو حقيقة ثانية إذا حصل النقل أو هو مجاز فيما صحبهُ قرينة لفظية أو حالية.
8و9- وكذا الكلام في الترادف اللفظي والأشتراك اللفظي:
فإنه واقع ولا دافع ولا مانع له فمثلاً القنة والعبرة والأمة والمولاة بمعنى واحد وأن كان يزيد قيود بعض الألفاظ على بعضها إذ أن القنة هي الأمة الخالصة في العبودية لم يتحرر منها شيء وكذا مثل الأسد والسبع والغد وكسر وأبو خميس واحد وأن كان السبع مشترك بينه وبين غيره وكذا مثل الأب ورب الأسرة والوالد واحد وأن كان الأبوة أعم من الولادة والربوبية تخص المربي المباشر وهي أعم من الوالد فهذه في مرادفات بدون النظر إلى خصائصها.

 حكم: الاشتراك منه لفظي ومنه معنوي
فاللفظي وهو مثل عين فإنها تقال على أغراض كثيرة على الإنسان والحيوان وعلى عضو العين الناظرة وعلى الجاسوس وعلى كل حاجة وغرض وقد عدلها سبعون معنى.
وإما المعنوي: فهو الكلي المشتمل على الإفراد المتفقي الحقيقة وهو الكلي المتواطي كالإنسان والناطق والمتعجب أو المشكك أي المختلفي الحقيقة وهو الحيوان والناهي والجسم والجوهر وغالباً إن المشترك المعنوي لا يسمى مشتركاً وإنما هو كلي وكذا الصنف هو مشترك معنوي وهو المشتمل على أفراد متفقي العمل أو الوظيفة أو العلم وكذا العشيرة وهم الجماعة الذي يجمعها جد واحد وواحدهم عشير كما قال تعالى [وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ] (2). وقوله تعالى [وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ] (3).

 حكم: لا يجوز استعمال اللفظ بأكثر من معنى مرة واحدة فإنه كما إنه ليس للمتكلم أن يقصد أكثر من معنى في لفظة واحدة كذلك ليس للمستمع أن يحمل على أكثر من معنى في لفظة واحدة إلا مع القرينة قال الله تعالى [مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ] (4).
والقلب بمعنى الفكر فلا يمكن لشخص أن يفكر بشيئين مرة واحدة وأما مع القرينة واستمرار الكلمات فله أن يوجه السامع لألف معنى هذا في المفرد وأنما بالتثنية والجمع فلا أشكال بقصد أموراً عديدة داخلة تحت اللفظ كما يقول القائل رأيت العيون يقصد إنه رأى عين الماء والجاسوس و عين الأنسان هذا سواء على لفظ التعريف العيون أو بدون تعريف (عيونا) وأشكلوا بالجمع والتثنية أيضاً ولكن أشكالهم مشكل.
حكم: الصحيح والأعم
بعد تجأوز أن اللفظ يحمل على الحقيقة أو الأعم نقول إذا علمنا مصداقاً عملياً صحيحاً لمسمى معين وسمعنا الأمر يأمرنا بإداء ذلك المسمى فهل نؤدي المسمى مطلقاً ولو كان غير صحيح وغير مقبول لدى العقلاء أم هو مخصوص بالتام الكامل وإذا رأينا مكلفاً جاء بالعمل باطلاً وغير جامع للشروط فهل نسميه إنه أدى ذلك المركب المأمور به أم لا نسميه أبداً ! وهنا تنبيهات:
1- قبل الخوض في المسألة لا بد أن نقول بأن الصحيح الشرعي ليس دائماً مقيد بأفعال معينة والباطل مقيد بأخرى بل هو حسب الظروف والأحوال فإن المهم أن يصحح الشرع بعمل المكلف بحسب ظرفه وأحواله المعينة فبعض الأحوال تقتضي صحة الصلاة مع عدم الوضوء وعدم الأركان وعدم القراءة وعدم اللفظ ولا القبلة وعدم وعدم وعدم كما في حالة الغرق بالماء أو بغيره أو التوصل فإنه يقبل منه الصلاة بالنية فقط فإنه لا وقت له بأداء شيء ولا يقدر على اللفظ ويموت بعد لحظات فإنه إذا نوى وتوجه مات مصلياً ولا يجب القضاء عنه وبعض الأوقات أن يؤدي كل هذه الأركان والأجزاء والشروط وتكون صلاته باطلة لتسامحه في شرط بسيط مثلاً كما إذا كان في ثوبه شعرة كلب أو هرة ولم ينفضه فإنه تبطل صلاته على المشهور في غير مأكول اللحم وبالإجماع في شعر نجس العين وعليه ففي كل حال للمكلف يجب أن ننظر حالته وظروفه حتى نحكم عليه بصحة العمل أو بطلإنه مثل أن كان قادراً فعليه القيام بالصلاة وأن عجز صلى جالساً وأن عجز فمنظرها على جانب وأن عجز طرح على ظهره وأن عجز عن الوضوء صح منه التيمم وأن عجز صلى فاقد الظهورين وهكذا.
حكم: قالوا فائدة هذا البحث هو إنه إذا شك المكلف المجتهد أو غيره بعد أداء الأجزاء والشروط المعلومة لديه وشك في شرط أو جزء زائد إنه له الأهمية في صحة الصلاة بحيث لو لم يؤده يبطل عمله أم لا أهمية فيصحح الصلاة بالشروط المعلومة فقط فالأعمي يقول بالإطلاق وعدم الأهمية والصحيحي يقول بأصالة التقييد ويلزم أن يؤدي كل ما لم يعلم خروجه أقول أن هذا الأستنتاج مشهور أو مجمع عليه في بناء هذه النتيجة على زعم الصحيح والأعم ولكنه بالأصل كان تبرعياً وما أدري من الذي أبتدأ بتبرع هذا العنوان لهذه النتيجة قدس الله أرواح علمائنا جميعاً وعلى كل حال فلا أشكال منا في العنوان وأنما المهم أن نتحاسب عن الأستنتاج والثمرة ونقول أن الأقرب أن كل عمل يكفيه أن يؤدي مصداقه عند المتشرعة ولا يخالف فيه سبيل المؤمنين ولا يتولى بترك القيود الثابتة شرعاً عندهم وبعد ذلك فالشكوك الزائدة مرفوضة فإن أصالة الإطلاق محكمة.
حكم: أستدلوا على الأعم بالتبادر وعدم صحة السلب وفيه أشكال بل أصالة الأطلاق أقرب من هذين كيف وقد فرضنا الصحة لبعض الأحوال مع فقد كل فعل فأي تبادر عندما نقبل ممن أصابه السكتة (الجلطة الدماغية) أعاذنا الله ونسي كل أفعال الصلاة وفقد لسإنه فإنه يقوم ويقعد أربع مرات للرباعية فإنه لا يستطيع اللفظ ولا يتذكر الترتيب ولا القراءة ولا الأركان ولاشيء نعم لو وجد ملقن يلقنه القراءة والركوع والسجود حتى يعملها بالنية فقط لا باللفظ.
حكم: أسباب الأختلاف بإطلاق الأمر بالعمل على الصحيح أو الأعم هو الشك بالصدق يعني مثلاً إذا توضأ وصلى وجاء بكل الشروط والقيود المعلومة لديه أو لدى مرجعه ومقلده وترك أجزاء وشروطاً غير متيقن إنها مأمور بها فهل يطلق على عمله إنها صلاة شرعية وصحيحة في حقه وهي مصداق للمأمور به أم لا.
أي لا يصدق إلا ان يقوم بكل الشروط والقيود حتى المظنونة والمشكوكة حتى يصدق مثلا: إنه متحير بالقبلة ولا يعرف جهتها ولم يوجد من يخبره فهل إذا صلى بجهة واحدة تخيرها يصدق يصدق عليه إنه صلى عند المتشرعة أو يلزم أن يصلي إلى ثلاث جهات أو أربع حتى يصدق وبالجهة الواحدة يعتبر لاعباً ولا تصح منه الصلاة ومثال أخر إذا امر المولى بجلب ماء ليشرب وعند عبده ماء شرب مضاف ببعض الألوان ولكنه نظيف وطيب ومروي للعطش فهل إذا أحضره للمولى رضي عنه ورضي بعمله الحاضرون أو غضب المولى وأنتقده الحاضرون.
قولنا بالإطلاق يعني يكفي إن يأتي المكلف بما علم فقط وهو قول المشهور والشروط الزائدة المشكوكة غير لازمة في صدق العمل يعني يبني على أصالة البراءة عن الشروط الزائدة لا على الأحتياط وهذا ما تقتضيه سهولة الملة وسماحة الإسلام.


(1) الشعراء: 214.

(2) الحح: 13.

(3) الأحزاب: 33.

(4) الروم: 30.