خلاصة الأقول:

حكم: كانت هذه المسألة قد طولّها الباحثون ولكنا اختصرنا منها ما رأيت وخلاصته: أن الأقول في ذلك هي:
1- جوزا تقليد المفضول مع الاختلاف وعدم ومع علم المكلف بالاختلاف أو شكه أو جهله فلا بحث.
2- مع عدم الجواز لتقليد المفضول سواء مع موافقته للفاضل أو مخالفته ومع علم المكلف وعدمه فلا بحث ايضاً.
3- عدم الجواز مع علم المكلف بالخلاف ويجوز مع عدم العلم سواء قلنا بأن بوجوب الفحص في الشبهة الموضوعية أم لا يجب لأن الفتوى مطلقة فتخرج تخصصاً.
4- وكذا إذا قلنا عدم الجواز عند علم المكلف بالخلاف لبناء العقلاء على وجوب تقليد الأعلم فيكون جواز التقليد للمفضول عند الشك خارجاً تخصصاً.
5- وأما لو قيد عدم الجواز في نفس الأمر أي في واقع الشرع ولم يتعرض القائل لحالة الإثبات أي بتخصيص المنع عند علم المكلف بالاختلاف فههنا تختلف الأقوال فهل نبني على الجواز عند شك المكلف بذلك- وهو المشهور ومنهم الشيخ والأخوند؟ ومعلوم أن بناءهما مختلف فالشيخ عمل بإطلاق الخطاب بتقليد الفقيه فيشمل المشكوك خلافه والأخوند على أن مورد الشك في الابتلاء محكوم بعدم الابتلاء فأنه شك بالاشتغال.


الصورة الثالثة:
حكم: قد مر أن الأقوال بجواز تقليد المفضول ستة

.
القول الأول: بوجوب تقليد الأعلم مطلقاً.
القول الثاني: بعدم الوجوب مطلقاً وهو مختارنا.
القول الثالث: بالتفصيل بين العلم بتخالف فتواهما فلا يجوز وبين عدم العلم وقسمنا هذا القول أربع صور:
الأولى:العلم بموافقة الأعلم لغيره ورأينا الجواز.
الثانية: الشك في مخالفة المفضول للفاضل.
الثالثة: العلم بمخالفة غير الأعلم للأعلم وهذا ما نحن وصلنا إليه وبعده الرابعة قريباً وهو العلم التفصيلي بالمخالفة واستدلوا أولا ً: قد تقدم فرض عدم جواز تقليد غير الأعلم ووجوب تقليد الأعلم من بناء العقلاء والأخبار وأصالة التعيين.
وثانياً: أن الإطلاق له ظهور وهي مردده ومحيره بين ظهوره في الحجة الفعلية أو ظهوره في الواحد المعين أو ظهوره في الشاملة لحال التعارض والمدعي لشمول الحجة في المعين وهو الأعلم وشموله لغير المعين فيحصل تناقض في الحجة في مقام الثبوت إلا أنه يجب أن يعمل بكل الظهورات وإلا فيحصل ترجيح بلا مرجح ورد عليه:
أن المرجح للاثنين موجود وهو ظهور الحجة في حال التعارض مثل حال عدم التعارض للأول والثالث وإنما يحصل التناقض إذا شملت الحجة غير المعين في حال التعيين فيحصل التناقض فترفع اليد عن التعيين ويصح الظهور ولا نرفع اليد عن التعارض لأنه ينتج رفع اليد عن كل الظهورات وحينئذٍ أن شمول الإطلاق لكل الأطراف المختلفة بتخيير المكلف ولكن المحقق العراقي (رحمه الله) قد أشكل بالأطلاقات أنها قاصرة عن شمول حال التعارض في مقام الإثبات ولكن الظاهر أن لا قصور.
الصورة الرابعة من القول بالتفصيل وهو الثالث من أقوال تقليد غير الأعلم.


حكم: ألف هذه الصورة أن يعلم المكلف بمخالفة المفضول للأفضل إجمالا ً لا تفصيلا ً نقل عن الشيخ الحائري والشيخ كاظم الشيرازي في البدء نقول أنه بناء على وجوب تقليد الأعلم عند الشك بالمخالفة فلا كلام لأنه بالأولى أن يجب التعيين عند العلم بالمخالفة.
ب- وكذا لو قلنا يجب تعيين الأعلم عند العلم بالموافقة أيضاً.
ج- وكذا مع القول بعدم وجوب الأعلم مع العلم تفصيلا ً بالمخالفة.
د- ومعنى العلم الإجمالي: بالمخالفة بأن لم يخص مسائل معينة فيها مخالفة بينهما ولكن عموما ً بينهما مخالفة لا على التعيين وهذه المسائل منجزة بحق المكلف كمثل الصلاة التي يمارسها كل يوم فهو مبتلى بها لا مثل الحج الذي هو غير مشغول به ولا مثل الحيض بالنسبة للرجل غير المرتبط به فإذا أختلف العالمان بمسائل غير مرتبط بها المكلف فهو خارج نقاشنا حالياً وهنا وقع إشكال أنه هل يشترط الابتلاء الدفعي حتى نمنع تقليد المفضول أو يشمل التدريجي مثل إذا علمنا بأن واحداً من قصابي القرية لا يذكي الذبيحة وهم غير محصورين مثل إذا زادوا على المئة قصاب فالمكلف له أن يشتري لعدم ابتلائه بكلهم دفعة ولكن في خلال شهور أو سنين سيبتلي بغير المذكي وكان غير الأعلم يحلل هذا المجهول ويصحح ذباحته فالباحثون هنا إذا اشترطوا الدفعية يصحون تقليد غير الأعلم لأن الابتلاء ليس دفعياً وأدلتهم على التمسك بوجوب تعيين الأعلم إذ قالوا أنه فرق بين التفصيلي والإجمالي فإذا منعنا تقليد المفضول بالعلم بالمخالفة بينهما تفصيلا ً لزم أن نمنع المكلف بعلمه بخلافهما إجمالا ًلأن الإجمالي يفضي إلى التفصيلي فمثل ما استدلوا على منع المعلوم بالمخالفة تفصيلا ً لدعوى عدم شمول الحجية للمفضول المخالف كذلك يستدل للإجمالي بأصالة الاشتغال نعم إلا أن يدعى أن مع الإجمالي بناء العقلاء على بقاء وشمول الحجية فلا موضوع للاشتغال ومما يهون الأمر ويذهب بالمنع أن الشهيد الثاني وصاحب الفصول والجواهر وغيرهم من العظماء قالوا بأن بناء العقلاء على الجواز لتقليد المفضول حتى مع العلم التفصيلي بالمخالفة فيسقط الإشكال من رأس.


الأصل الأزلي والنعتي:
حكم: أن جماعة قد بنوا المسألة على الأصل الأزلي فقالوا أن المجتهدين قبل وجودهم ما كانوا مختلفين فنستصحب ذلك العدم أو الأصل النعتي وهو أن العلماء بعد وجودهم واجتهادهم لم يكونوا مختلفين قبل وصولهم للمسائل الخلافية فحينما أفتوا بها نشك اختلفوا أم لا؟
فنستصحب العدم وهكذا وهذا لا وجه له أبداً ولا يشمله أدلة الاستصحاب من حيث يستصحب من قبل وجود الموضوع على عدم وصف الموضوع بعد وجوده.


التفصيل الرابع:
حكم: قد مر ثلاث أقوال في جواز تقليد غير الأعلم وأخرها كان التفصيل بين العلم بالمخالفة بين فتويهما فلا يجوز وبين عدم العلم فيجوز وهذا نفس التفصيل بزيادة شرط عدم موافقة فتوى المخالف للاحتياط فلا يجوز ومع موافقته للاحتياط فيجوز أو موافقة غير الأعلم للأعلم من الأموات فيجوز أيضاً يعني لأحد هذين الشرطين على سبيل منع الخلو أقول أيضاً يلزم للمتمسكين بالمشهور أو الإجماع ولو المنقول منه أن يقيدوا.
ثالثاً: الجواز بموافقة المفضول للمشهور أو للإجماع المنقول وله وجه إذ لماذا نطرح الحاكي عن المشهور ونوجب القول الشاذ وبحجة انه أعلم ومعلوم أن نفس أدلة الاحتياط يستدل بها لهذا التفصيل بإجازة المفضول ورد بأن هذا أخذ بالاحتياط وهو مقبول ولو أخذ من غير المجتهد فليس هو مصحح للمفضول.


والخلاصة: أن استناد المانعين أن كان لبناء العقلاء لمنع المفضول فلا يشمل المفضول الذي يعمل بالاحتياط أو المشهور أو موافق للأعلم من الأعلم الحالي وأن كان بدعوى الإجماع والسيرة وارتكاز المتشرعة ونحوها من اللبيات فهو أيضاً لا يشمل هذا المفضول وأن استندوا لأصالة الاشتغال فهو منتق لطريقته التقليد إذ لا خصوصية للمفتي والمهم الفتوى فتبقى الأطلاقات وبناء العقلاء موافقة للمفضول.