(مناقشة هذا التفصيل):

حكم:
أولا ً: أن عمدة أشكالهم بجواز تقليد غير الأعلم عند الشك بالاختلاف والمفضي إلى تخيير المكلف بينهما انه تمسك بالعام بالشبهة المصداقية مثل ما وصى الموصي بإكرام العلماء فيأتي بزيد ويكرمه وهو لم يثبت بأنه عالم.
وثانياً: أن التمسك هذا إنما هو مع شبهة موضوعية وقد أشتهر بينهم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية بخلاف الشبهة الحكمية فأنها يرجع بها إلى الإطلاقات والظواهر من الأدلة.
وثالثاً: بأن بناء العقلاء بالرجوع إلى الأعلم عند العلم بالخلاف وفيه: أنه يقصد الإشكال في حال التخالف بين العالمين والتجويز مع توافقهما بالفتوى وإلحاق التمسك بالأقل علماً بالتمسك بالعام وهو التقليد مع الشك بالفرد وفي هذه لا يجوز جعله من العام وهو جواز التقليد ولا من الخاص وهو عدم الجواز لعدم الإحراز في الجانبين مثال ذلك ما إذا جازت الصلاة خلف غير الفاسق وجازت غيبة الفاسق فلا يجوز لهذا الرجل المشكوك عدالته أن يصلوا خلفه ولا يجوز غيبته أيضاً وفصل في المستمسك (رحمه الله) تابعا ً للشيخ الأنصاري (رحمه الله) بأن هذا التمسك لا يجوز إذا كان المخصص لفظياً كالمثال الآنف لا يجوز الأئتمام ولا يجوز لبي إذ الغيبة وإما في مسألة تقليد العالم قالوا أن الإجماع أو بناء العقلاء يخرجان غير الأعلم من عموم من(الفقهاء وأهل الذكر ورواة أحاديثنا)، وحين الشك في مصداقية غير الأعلم للخارج من الفقهاء نسبة للفقهاء الذين يعمهم التقليد للشك بالخروج من العموم لأن المخصص لبي وليس لفظي.


وقال الشيخ المرتضى الأنصاري (رحمه الله): لا يجب الفحص لإثبات الخلاف وعدمه لأن الأخبار تتعارض مع بعضها يعني إذا وجد المعارض يضعف الخبر الأول وقد يترك العمل به وإما في الفتاوى فلا تعارض بينها إ لو ثبتت فتوى مخالفة فلا يسقط العمل بفتوى الأول ويبقيان على قوة حجتهما وإما الدعوة الثانية وهو أن الشبهة المصداقية، موضوعية وفي الموضوعية يجب الفحص ففيهما بحثان:
هل يجب في الشبهة الموضوعية الفحص أم لا وهذه مسألة سيالة تعترض الفقيه في كل أبواب الفقه والمشهور شهرة عظيمة عدم وجوب الفحص ومن أمثلتها:
1- باب الشك بالاستطاعة للحج فلا يجب الحج.
2- وعند الشك بالمسافة فلا يجب القصر.
3- وعند الشك في الزكاة ومقدار النصاب.
4- وعند الشك في الخمس ومقداره الذي على المكلف.
5- وعند الشك في البلل الخارج أنه مني أو غيره.
وأدلة عدم وجوب الفحص أنه:
1- لا بيان.
2- وإطلاق لا يعلمون، خرج منه الشبهة الحكمية للإجماع وبناء العقلاء على الفحص، ولا يشمل الإطلاق إذا غلب الوقوع بالمخالفة والمحقق الاشتياني (رحمه الله):
(لا يفرق في الرجوع إلى أصالة عدم الفحص بين ما علم المكلف بكثرة الوقوع في مخالفة الواقع).
مثل: (عدم وجوب الفحص عن مقدار المال يثبت الاستطاعة) يوقع المكلفين في تأخير أو إعدام حجهم وبين عدم علمه بذلك.
وإلا كان وجوب الفحص في شبهات الطهارة لأن الوقوع بالمخالفة أكثر من مسألة الاستطاعة فما أوجبه البعض في فحص الفضة المغشوشة في زكاة الغلات محل منع ولم يلتزموا في نظائرها.


ورد في بيان الفقه:
 أولاً: بأنه إذا فرق معظم الفقهاء بين المواضيع فاللازم التفريق.
وفيه:
أولا ً: لم يعلم تفريق المعظم بل المعظم أطلقوا عدم الفحص بدون تفريق.
وثانياً: إذا لم نر تفريقاً فلا نفرق بفتوى غيرنا كثروا أم قلوا.
ورده ثانياً: أنه لا أولوية للطهارة بل الحج ركن من أركان الإسلام فعدمه أشد من مخالفة الطهارة وقد سمى القرآن تاركه كافراً.
وفيه: هذا لمن يعلم ويترك والشاك لا يشمله هذا الذم.
ورده ثالثاً: لا تلازم بين عدم وجوب الفحص وعدم وجوب الاحتياط فيه لا شرعاً ولا عقلا ً ولا عقلائياً (1).
وفيه:الاحتياط له من أثر ولا يكون تبرعياً وعدم وجوب الفحص ثبت بالأصالة العقلية والعقلائية والشرعية.


حكم: وقال في العروة في الاستطاعة: (إذا شك في مقدار ما له وأنه وصل إلى حد الاستطاعة أولا ً هل يجب عليه الفحص أم لا؟ وجهان أحوطهما ذلك وكذا إذا مقداره وشك في مقدار الحج وأنه يكفيه أولا ً؟) (2)، وسكت عليه العقليون؟ وبعضهم بدل الاحتياط بالفتوى وعن المسافة قال (الأقوى عند الشك وجوب الاختبار أو السؤال...) (3).
ولم يعلق عليه أحد وفي مستند العروة: فالإنصاف عدم الفرق بين موارد الشبهات الموضوعية ولا ميز بين مقام ومقام ولا يجب الفحص في شيء منها (4)، وعن بعضهم في مسألة عدم الفحص عن الأعلم واختلافه أنه إذا قامت بينه على ملكية دار لزيد لم يعتبر في حجيتها الفحص عما يعارضها بما يعارضها من البينات ولو مع العلم بوجود عدول يحتمل شهادتهم بأن الدار ليست لزيد ومقامنا هذا أي تخالف الأعلم والعالم من هذا القبيل وفي العروة في كتاب الحج: (وبالجملة متى صدق عنوان الجاهل لا يجب عليه الفحص ويجوز له الرجوع إلى الأصل حتى في مثل مراجعة الدفتر والنظر إلى الفجر لإطلاق أدلة الأصول) (5).


(1) البيان 2/95، د. علي بحر الفوائد 3/ 316 البراءة والاشتغال.

(2) البيان عن العروة م21 في الاستطاعة من الحج.

(3) البيان عن العروة صلاة المسافر م5.

(4) المستند كتاب الصلاة 8/39.

(5) العروة الحج م31.