دعوة الأعلمية غير صائبة في بعض الأحوال:

حكم: أن تشخيص هذا أعلم أو ذلك قد مضى ما أشرنا إليه ولكن نؤكد ونسترجع ما قلناه.
أولا ً: لم نسلم وجود إنسان أعلم من كل علماء الزمان في كل مسألة من الدورة الفقهية إذا العلم بالمسائل قد يحتاج إلى معلومة وضعية وغير الأعلم يعلم بتفصيل ذلك الموضوع فيجرب كل تحليلات وتوجيهات الفقيه الأعلم في تلك المسألة لأن كثيراً من الأحكام تتوقف على علم موضوعي وتفصيل مهني حتى يبت بالمسألة أو يكون الأعلم يغرق في استدلاله في كل مسألة بالفلسفة والأصول حتى يضيع عليه الفهم العرفي الاجتماعي كحديث الإمام الذي يوصف بأنه غير الأعلم أكثر عرفية في فهمه للأحاديث ومعلوم أن الأحاديث قد ألقيت على عوام الناس وليس على فلاسفة ولا معقدين بالأصول أو أن الأعلم قد أبتلي بقواعد رجالية غير صائبة وبسببها أسقط روايات بالأنصاف كانت معتمدة وأثبت أخرى بالأنصاف يلزم أن تدفع كابن الغضائري كما يقال أنه لم يسلم من قلمه من لم يذم أو أنه أبتلي بتقريب القول المشهور كالفاضل المعاصر (حفظه الله تعالى) فأنه متمسك بتصحيح ما أدعي عليه الإجماع أو المشهور المستند لا بشرط أن يعرف سنده فمال في مسائل كثيرة عما نراه وبالجملة أن ثبت وعرف أن هذا أعلم على الإطلاق وفي كل الأحكام فلا يجوز ولا يمكن التعليق عليه وتخطيئه من كل الآخرين وليس كذلك فأن كل من قيل باعلميتهم قد احتو شوهم طلابهم ومعاصروهم بالنقد والتخطيء الصائب المعتمد.


ثانياً: أن دعوى أعلمية فلان قد يشوبها الكذب أو المبالغة أو الجهل المركب فكل مرجع ترى طلابه يدعون أعلميته ويأتون بثوابت عندهم وقرائن من لدنهم وأمور مرتجلة فيثبتون حسب زعمهم وبعضهم يعلم بأنه يكذب أو يبالغ لمصلحة لدية وبعضهم مخدوع وجاهل بالمناط في الأعلمية وتطبيقه وبذلك يقع نزاعات بين العوام وبين الفضلاء والعلماء أيضاً بل حصل أكثر من ذلك قد أنكر مجموعة كبيرة من الفضلاء والعلماء وأتباعهم من الناس اجتهاد مجتهدين ظاهرين بل أنكروا أظهر المجتهدين وأبرزهم بالعلم ونشره والعمل به والأمثلة كثيرة بإنكار علماء لعلماء ولسنا بصددها ولا ينفعنا تشخصيها.


القول الثالث:
حكم: ذهب جميع ممن تأخر عن الشيخ الأنصاري (رحمه الله) إلى التفصيل بين أن يعلم مخالفة المفضول للفاضل فيجب أن يقلد الفاضل وإذا لم يعلم مخالفته فيجوز تقليد المفضول منها هنا وجوه وصور، الأولى أن يعلم موافقة المفضول للفاضل في المسائل المبتلى بها المراد العمل بها ونحن نقول أن لا مانع أن يعمل بالفتوى بنية تقليد احدهما المعين أو غير المعين كليهما أولا ًهذا ولا هذا فأن المهم المعلومة وليس المهم تشخيص العالم.


وقال المحقق العراقي: لا إشكال ظاهراً في التخيير بينهما لعدم الدليل على تعين الرجوع إلى الأعلم بل لا ثمرة للنزاع في هذا الفرض لأن العمل بفتوى أحدهما عمل بالآخر أيضاً ولا تختص الحجية حينئذٍ معين لكونها من قبيل تعدد الرواية في حكم المسألة (1).


وقال المحقق النائيني: في حاشية العروة (بل الظاهر أنه بعينه تقليد الأفضل ولا يخرج بقصد الغير عن كونه تقليداً له (2)) ويمكن أن يمثل هذا بصوم النذر أو الاعتكاف في شهر رمضان فأن له أن ينويه النذر أو رمضان أو الاعتكاف فأنه هو هو.


الصورة الثانية:
وهي الشك في مخالفة المفضول للفاضل مما هو في محل الابتلاء في هذه الصورة نقل أربعة أقوال:
1- جواز تقليد غير الأعلم.
2- لا يجوز مطلقاً.
3- تفصيل بين العلم بتخالف الفتوتين فلا يجوز إلا بعد العلم بالموافقة وغير ذلك يجوز.
4- نفس التفصيل ولكن لا يشترط العلم بالموافقة وإنما يخرج من العلم الإجمالي.


(1) البيان 2/84 عن نهاية الأفكار 4/347.

(2) حاشية العروة م18.