اختلاف الروايات:

حكم: أورد الشيخ الأنصاري (رحمه الله) ثانياً على روايات التفصيل بأنها مختلفة في التقديم فلا يمكن أن يلتزم في تعيين الأفضل وهي مقولة أبن حنظله وداوود بن الحصين وموسى بن أكيل واختلافها في الجهات الثلاث.
1- الكم: في المقبولة فرضت،الأعدل والأفقه والأصدق والأورع وخير داوود، الأفقه والأعلم والأورع ويحتمل أن الواو بين الأفقه والأعلم للتفسير وهو الأقرب وفي خبر موسى الأعدل والأفقه.
2- في الكيف: ففي المقبولة اختصت الأصدقية وهي لم يتذكر فيها الأعدلية ولكن قد قلنا أنها من مصاريف الأعدلية وخبر داوود ذكر الأعلمية ولم يتذكر بالآخرين ولكن قلنا بأنها نفس الأفقهية وأن العطف للتفسير.
3- ومن جهة التقديم: فالمقبولة قدمت الأعدل وكذا خبر موسى وإما خبر داوود قدم الأفقه.
قلت: أن المقبولة هي الأقرب أولا ً من جهة قوتها سنداً على الآخرين ومن جهة أنها أقرب لذوق الفقاهة وبملاحظة الحكم والموضوع وهو أن الفقيه إنما ينصب أولا ً لورعه وإشاعة الورع والتقوى في المسلمين والعلم شيء ثانوي وإلا نقترب للعلمانية.

 

وأورد ثالثاً: عدم العمل:
حكم: يقول أن المشهور لم يعلموا بالمقبولة حتى في موردها وهو القضاء ولذلك قال في الجواهر، أن الحكم ينقض ولو بالظن أنت تراضى الخصمان أن تراضى الخصمان على تجديد الدعوى وقبول حكم الحاكم الثاني (1).
فالصفات لم يعمل بها لا في باب الأخبار ولا في الحدسيات من القضاء والتقليد والتقويم كما مثلنا سابقاً.


الأخبار الأخرى:
قانون: ففي خبر داوود بن الحصين: ينظر إلى أفقهما وأعلمها بأحاديثنا وأرعهما فيتخذ حكمه ولا يلتفت إلى آخر (2).
ب- وفي خبر موسى الذي أشرنا إليه آنفاً عن الإمام(ع) ينظر إلى أعدلتما وأفقهما في دين الله فيمض حكمه (3).
ت- وفي نهج البلاغة من عهد أمير المؤمنين(ع) إلى مالك الأشتر (رحمه الله) بسند صحيح قال: ثم أختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور (4).
ث – النبي(ص): من أم قوماً من هو أعلم لم يزل أمرهم إلى أسفال إلى يوم القيامة (5).
ج – في نهج البلاغة: أيها الناس أن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه (6).
ح – وفيه: أن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤا به (7).
فأن الإمام علي(ع) قد أشار بأقواله إلى عدم أهلية الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه في الحكم بين الناس ولا يقاس عليه الفتوى وعهد الأشتر محمول على الاستحباب إذ لو وجب الرجوع للأعلم لوجب تصدي نفس مالك لأنه أفقه من رعاياه ونهج البلاغة أعتمد عليه العلماء ونسبوه لعلي بن أبي طالب(ع) ولم يرده أحد.
وإما متنه فيوحي إلى الاستحباب إذ يقول: ثم أختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزلة ولا يحصر من الغي إلى الحق إذا عرفه ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه وأوقفهم في الشبهات وأخذهم بالحجج وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم وأصبرهم على تكشف الأمور وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن يزدهيه إطراء ولا يستميله أغراء (8).
وهذه الصفات لو وجبت فلا يستطيع الناصب أو ينصب أحداً للقضاء لتحيره بين الناس وصفاتهم زائدة وناقصة ثم أن كل هذه الصفات وليدة الورع والتقوى ولا إشارة فيها للإعلمية والأفقهية فأن علمنا بهذا الحديث فسنقدم الورع على كل الصفات وهو شدة العدل وإما حديث النبي(ص) فكأنه يشير إلى منع المنافقين من استلام الحكم من بعده ودحر الإمام علي(ع) من بعده فهو(ع) يفرض منصب الإمامة المطلقة وليس مجرد المرجع للتقليد وهو نائب عام للأئمة(ع) وهذا الخبر وأن كان سنده ضعيف في نفسه إلا أنه يحكى قضية ثابتة فيقوي نوره سنده كما قلنا مرارا ً وأن معناه متواتر في الأحاديث وهو أن الإمام الأصل أعلم أهل زمانه.
 وثالثاً: أنه يحكى الحالة الوضعية (أمرهم إلى سفال) فيستتبع الحرمة التكليفية.


(1) البيان 2/39 عن الجواهر 40 /97.
(2) عن الوسائل ي9 ح30 صفات القاضي.
(3) عن الوسائل 9/45 صفات القاضي.
(4) نهج البلاغة 3،94، ط بيروت.
(5) وسائل 26/ 1 صلاة الجماعة.
(6) النهج 3/86 الخطبة 173.
(7) النهج 4/31 رقم 96.
(8)