رابعاً: أن الأعلم أكثر إحاطة:

حكم: احتجوا بتعين الأعلم للتقليد لأنه أكثر إحاطة بمدارك مسألة والأجمع من الاشتباه والنظائر مما يدعم الاستدلال ويغور في حقيقة أكثر ومعلوم أن العالم لو أطلع لتلك الجهات التي أحاط بها الأعلم لعله يغير رأيه فكما لا يجوز تقليد الجاهل المطلق فكذا الجاهل النسبي وفيه أن العالم ربما يوفقه (الله تعالى) لمعرفة قرائن وأدله لم يتوصل إليها الذي قيل بحقه أنه أعلم ولا نعدم الأمثلة على ذلك فأن الأعلم مثلا ً يرى اختلاف الأفق وغير الأعلم له قرائن كونية وعلم بالهيئة الحديثة يثبت باتحاد الأفق فيثبت الهلال في كل العالم مرة.
والأعلم يرى اتحاد الأفق ويأتي بأدلة شرعية لفظية وما شابه وغير الأعلم يقول به أيضاً ولكنه يأتي بأدلة أخرى كونية وغيرها ويكون أكثر ظناً أو يقينا ً بالمسألة وهي مسألة طبيعية وليست شرعية ومثلا ً الأعلم يقرر علامات القبلة كذا.
وغير الأعلم يراجع خبراء السفر يعينون له الجهة إلى مكة خلاف رأي المرجع الأعلى إذ المناط بالقبلة أن تكون بخط أكثر استقامة من البلد إلى مكة وأقرب مسافة ولذا أنها تحسب بحسب خطوط الطول وخطوط العرض وهكذا الكلام في كل مسألة لو تحاسبنا حولها لرأينا دعوى أقربية فتوى الأعلم ملغية أن الله تعالى يلهم من يشاء من عباده من شاء ورب حامل علم إلى من هو أعلم منه قال الله تعالى [كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً](1).


(1) سورة الإسراء: 17/20.