وثالثاً: كون فتوى الأعلم

أقرب إلى الواقع وكلما كان أقرب لزم الأخذ به وأجيب بمنع الصغرى والكبرى ولأن التقليد طريق صرف إلى الواقع وعلى فرض صحتها يمنع الحكم الشرعي لإطلاق أدلته.
أما الصغرى: فأنه ليس دائماً أن فتوى الأعلم أقرب لما قلناه بأن فتوى غير الأعلم أقرب لما قلناه بأن فتوى غير الأعلم يمكن أن تكون مطابقة لفتوى الأعلم من الأموات أو الأحياء من غيره المعروفين من الأعلم الظاهر أو كان فتواه موافقة للاحتياط أو موافقته للمشهور إذ لا ينبغي القياس المعروفين والمشهورين من العلماء فقط كما قلنا بأن هناك من هو لم تواتيه الظروف في حياته المالية والحالية أو الضغوط من السلطات فيبقى مجهولا ً وقد رزقه الله تحقيقاً وتدقيقاً وذهناً وقاداً أكثر من المشهورين وبقى مجهولا ً ولم يعرف ويمكن لا يقلده أقرب الناس إليه أو يعرف ويقلدون ولكن ردع الأعداء وظلم الدنيا تحجره كما قال الشاعر.

مصائب الدهر كفي

 

أن لم تكف فخفي

كم جاهل بالثــريا

 

وكم عالم متخفي

وأما منع الكبرى وهي يجب الأخذ بالأقرب إلى الواقع الممثل بالأعلم فإطلاقها ممنوع إذ ليست هي علة تامة وإنما هي حكمة الموضوع ونظرة اجتماعية مستحسنة ويمكن أن يقدم عليها في الشرع كثرة الجهاد والخدمات الاجتماعية فيصادف أن الأقل علماً أكثر خدمة للإسلام ويفتح أبواباً لهداية الشعوب للإسلام وللإيمان بكثرة العمل التبليغي بالتعلم واللسان وتحريض الفضلاء على ذلك حتى يتعرف على الإسلام وتعاليمه من خلاله كل العالم والأعلم ساكن وساكت ولا حراك ولا قلم ولا لسان وأكثر ما يعمل أنه يدرس الفلسفة والأصول والفقه لطلابه وقد قال الله تعالى: [وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً](1).
وهذا يناسب القول على تقديم الأورعية والأعدلية حسب ما يأتي الكلام على الأحاديث فالعامل أكثر في تشجيع الشعوب ونشر الإسلام هو أكثر ورعاً وعدالة ومصداقاً للفقيه المطلوب للشرع والذي يأمر الشرع بتقديمه والاقتداء به فأنه بمناسبة الحكم والموضوع نرى ذلك ونقربه ونقدمه على القول بتقديم الأعلمية مع تسليم حصول أعلمية شخص على كل علماء زمانه وفي كل الدروة الفقيهة وهو في محل منع.
عينات من عدم تقديم الأقربية المدعاة بالأعلمية.
حكم: في أمور كثيرة تجد العرف لا يقدم أولا يهتم بالأعلمية وكذلك الشرع ففي الحدسيات مثلا ً في تقويم سلعة متلفة إذا أراد الغاصب أو المتلف إرجاع مثلها أو قيمتها فالشرع يقول يلزم أن يقيمها العارفون في الأسعار فإذا أختلف المقومون يجمع بين أقوالهم ويقسم بحسب عددهم فإذا اختلفوا على ثلاثة أقوال جمع بينها وقسم على ثلاث ولم يقل الشرع أن يأخذ بأعلم المقومين ولا التدقيق في ذلك بحسب الفتاوى المشهورة نعم شذ من صرح بالأخذ بقول أكثرهم خبرة كالسيد الخوئي (قدس سره) وعلله في مباني منهاج الصالحين بأنه مقتضى بناء العقلاء وهو نفسه وغيره لم يعقلوا بهذا في حاشية المكاسب.
ومثل ذلك تجده في مسائل البينات وأخبار ذي اليد وسوق المسلمين والصناعات ومختلف المواضيع مثل كلام العروة(إذا تعارضت البينات أو أخبار صاحبي اليد في التطهير وعدمه تساقطا) (2).
ولم يعلق عليه أحد من المعلقين وصرح بعضهم بتساقط قولي صاحبي اليد ولم يخص بإصابة قول الأعدل أو الأكثر خبرة ويؤيده ما ورد في الأنائين المشتبهين بالنجاسة قال(ع) (يهريقهما ويتيمم) (3)، أو (يرمي بهما جميعاً) (4)، ولم يحقق عن الأوثق الأقرب إلى الطهارة أو الحلية أو الشرطية.


(1) سورة النساء:الآية 4/95.

(2) البيان 2/21 عن العروة في فصل ثبوت التطهير م1.

(3) البيان 2/27 عن الوسائل ب12 ح1 الماء المطلق.

(4) الوسائل ب64 ح1 النجاسات.