(أدلة اشتراط الإيمان في المرجع):

حكم: مشكلة المجتمعات الإسلامية انتشار المنافقين وطلاقة ألسنتهم وتزعمهم للإسلام وتبليغ المسلمين والتلاعب بالحقائق والاستناد إلى متشابه الآيات والحديث والأمة الإسلامية لو لم يغلب فيها الغباء ويكثر فيها الهمج الرعاع لما انخدعوا وأتبعوا الخلفاء الغاصبين المعتدين على أهل البيت(ع) ثم أتبعوا بني أمية الفاسقين المجرمين ثم بني العباس القساة الجفاة الأوباش كل الحكومات الظالمة والجائرة وإلى هذا اليوم وشيوخ السلاطين المبتدعين والمحرفين يكثرون في كل زمان ومكان يدعون السلطان الظالم ويعكفونهم من رقاب المسلمين بالفتاوى والخطب والكتب ولهذا فأول الأدلة لمنع تقليد غير الموالي لأهل البيت(ع) هو خوف الانحراف واعتقاد المخالفة للحق وثاني الأدلة أنه المخالف لا يؤمن اجتهاده إذ قياسات العقل عنده ضالة منحرفة ولذا قد روي في بني فضال: (خذوا ما رووا وذروا ما رأوا).
لأنهم موثوقون في الخبر ولكنهم منحرفون الرأي عن إتباع مذهب أهل البيت(ع) وحينئذٍ نقول أن كان السني عرف الحق بعد اجتهاده بالفقه ولكنه لم يقربه ولم يظهره فهو منافق وأن كان في نفسه مجتهداً وأن لم يدرك الحق ولم يعرفه وإنما توصل على مخالفة أهل البيت(ع) فكراً وعملاً فهو جاهل وضال ولم يصل أوائل الاجتهاد.
3- من الأدلة صراحة روايات عديدة باشتراط التشيع بالتقليد مثل مقبولة عمر بن حنظله سألت أبا عبد الله(ع) عن رجلين عن أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك؟ قال من تحاكم إليهم في حق أو باطل فأنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا وأن كان حقاً ثابتاً له لأنه أخذ بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يكفروا به قال الله تعالى [يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ](1)؟
(قلت فكيف يصنعان؟ قال ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فلير صوابه حكماً فأني قد جعلته عليكم حاكماً فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما أستخف بحكم الله وعلينا رد والرد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله) (2).
والثاني حديث أبي خديجة (ولكن أنظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا) وقوله منكم يعني من الموالين المتخذين مذهب الشيعة و أشكلوا على الروايتين أن المقبولة وتلقي الأصحاب لها بالقبول لا يخرجها عن الضعف وأبا خديجة وثقة النجاشي وأختلف فيه الشيخ فمرة ضعفه وأخرى وثقه وفي طريقه الحسن بن علي الراوي عن أبي خديجة وهو لم يوثق (3)،ورده باعتبار روايتي أبي خديجة والمقبولة لأن جمعاً كثيراً قد تلقوا المقبولة بالقبول ومن هؤلاء من يرد الرواية بمجرد جهل الراوي ومنهم من يرد الصحيح لأنه خبر واحد وقال: إلا أن قبول رواية منه في مورد مما لا دلالة له على قبول جميع رواياته).
أقول: بل إذا قبلنا رواية رأوا وصف بالقبول نقبل كل رواية له من حيث الراوي نعم قد ترد من حيث علة في الراوية كما نرد الصحيحة إذا سلبت الثقة فيها بسبب متنها مثلا ً.
وهذا هو الغالب فما ورد عن الرجاليين بأنهم تلقوا جميع روايات أبن حنظله بالقبول وتسميتها بالمقبولة هذا هو الطبيعي في قبول رواية رجل ومن غير الطبيعي ويحتاج إلى قرينة أن نسمي رواية رجل بالمقبول وأخرى له نردها.
وإما حسنة أبي خديجة: فقد وثقة النجاشي ولا يهم تضعيف الشيخ.
أولا ً:لا ضبطية النجاشي في غيره في تقييم الرواة.
وثانياً: لما قلنا في كتاب (شذرات من الدراية) بأن الصحة والثقة هي المقدمة في رواة أهل البيت(ع) لما نعلم من كثرة الأعداء الذين يمنعون التقرب لأهل البيت، خصوصاً رواة الإمام الصادق(ع) كما هو المشهور لأن الإمام(ع) قد فضح المنافقين فلو كان منافقاً كذاباً يخاف من التقرب إلى الإمام(ع).
وثالثاً: أن الشخص إذا اختلف قوله في تقييم راوي سقط لتعارضه مع نفسه،وإما الحسن بن علي الراوي عن أبي خديجة قال عنه النجاشي أنه (خيرّ) وهذا توثيق هذا وقد وثق أبن حنظله أبا خديجة جماعه من أساطين العلماء ومنهم الشهيدان وصاحب المستند والجواهر والعلامة والتنقيح ثم ناقش العلماء في مفاد الحديثين:
الأولى: بأنهما وردا بالقضاء وسحبها للاستدلال بالإفتاء قياس وفيه بأن من الفقهاء قديماً وحديثاً اتحاد الموردين بل الحق أن القضاء هو فتوى في قضية والعكس صحيح وأن لم نلتزم بفهم غيرها وأن كثر إلا أن تستقرب ما فهمومه ولا نستبعده وكيف كان فوحده المناط بينهما ظاهرة.
الثانية: أن الظاهر أن الروايتين منعتا الميل للعامة من حيث أن العامة يحكمون بغيركم أهل البيت(ع) ولا يمنع أن يكون عامياً إذا عمل بروايات أهل البيت(ع) ولو جزئياً في الموارد التي عمل بدساتير أهل البيت(ع) فلا خصوصية بالإيمان في المفتي والقاضي وفيه:
أن النص أشتمل على المنعين أن لا ترجعوا فلاناً وأن التحاكم يعتبر تحاكم إلى الطاغوت ولا ننكر البند الآخر بأن نشترط كونه مؤمناً ولكنه يحكم بغيركم أهل البيت(ع) فإذا علمنا بخطنا هذا التفسير للحديث فالآخر أيضاً خطأ.
الرواية الثالثة: حديث الإمام العسكري(ع) في التفسير.
في تفسير قوله تعالى: [فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ].
قال هذه لقوم من اليهود...وكذلك عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر العصبية الشديدة والتكالب على الدنيا وحرامها فمن قلد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقه علمائهم، فإما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالف على هواه مطيعاً لأمره مولاه فللعوام أن يقلدوه وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم فأن من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عن شيئاً ولا كرامة (4)؟.
أن النص على شيئين: على التقوى وحسن السلوك ثم على التشيع وبالأخص منهم وسنده معتبر كما مر واعتماد الأجلاء عليه وقد تلقى العلماء الخبر وبالخصوص بالقبول والتطبيق ونوقش المتن أيضاً بدعوى أنها وردت في التفريق بين عوام اليهود وعوام الشيعة بالتقليد لمن عرفوا منه الفسق فإذا عرف الشيعة من علمائهم بالتقوى ومخالفة الهوى فقد أجيزوا بتقليدهم رد عليهم بان الحصر (بالا وإنما) في قوله(ع):
وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة (لا كلهم) ظاهر بعدم حجية فتوى غير الشيعة.
الرواية الرابعة: خبر أحمد بن حاتم أن أبا الحسن الثالث(ع) كتب إليه وإلى أخيه فاصمدا في دينكما على كل في حبنا وكد كثير القدم في أمرنا فأنهما كافو كما أن شاء الله تعالى (5).
أقول: أما هذه فلا تحتاج للبحث في صحة السند
أولاً: للقرينة العامة وهو أن الرواية عن أهل البيت في محذور شديد من السلطان فلا يرتكبها إلا باذل نفسه مجاهد في دينه إلا ما شذ وندر.
وثانياً: مثل الكلام فأن فيه القتل والمطارد يقيناً خصوصاً من مثل الإمام الهادي(ع) حيث أنه كان في سجن العسكر مره في عمره الشريف ومع ذلك فقد نقل المدح والاعتماد على رجال سنده بالإضافة العمل والمشهور بالرواية في أمرهم (رحمه الله) محمول على الاستحباب وقال في المستمسك:
(محمول على الاستحباب للإجماع القطعي على خلاف ظاهره) قلت: إذا حمل شدة المتيقن الثبات والقدم في حبهم على الاستحباب إلا يتخرج منه المقدار المتيقن أن يكون شيعياً حتى نثق به في تقليدنا له كتائب وحربي وحاكي لأحكامهم؟!
وأغرب من ذلك ما قاله في التنقيح (رحمه الله): وإما الرواية الثانية فهي غير معمول بها قطعاً للجزم بأن من يرجع إليه في الإحكام الشرعية لا يشترط أن يكون شديد الحب لهم أو يكون ممن له ثبات تام في أمرهم(ع) فأن غاية ما هنالك أن يعتبر فيه الإيمان على الوجه المتفارق بين المؤمنين أذن لا بد من حملها بيان أفضل الإفراد، وقال: بإذن أخذ معالم الدين كما يكون بالرجوع إلى المفتي كذلك يكون بالرجوع إلى راوي الحديث وحيث أن حجية الرواية لا تتوقف على الإيمان كما هو المشهور المنصور فكذلك المفتي لوحدة المناط.
أقول وبهذه العقيدة قد تخرج من الحوزات فضلاء وكتاب وشعراء بل ومراجع مقصرين بالتشيع ومشككين بمظلومية أهل البيت(ع) ومناقشين في عصمتهم ومضيقين لإمامتهم وهم شيعة يمدحون أهل البيت(ع) وينحدرون من أسرة عريقة بالتشيع بل الآيات والروايات في كيفية ومقادير توليهم ومودتهم والبراءة من أعدائهم مثل والبراءة من أعداء الله ومثل مودة الله وتوليه وأن ولاية رسول الله(ص) وولاية الأئمة(ع) من بعده في سياق ولاية الله تعالى فأي تقصير في ذلك لا يعتبر أنه شيعي ولم يكمل إيمانه وأما تنظير التقليد والمرجعية إليه بأخذ الرواية من الراوي فهو غريب وغير مقبول أبداً بل لو لم نعرف القائل لشككنا أنه من العامة فأن الراوي مجرد آله ناقله للخبر ولا يشترط بأخذ المعلومة المتقنة ظاهر بالإيمان ولا بالإسلام ولا بالتقوى باتفاق العقلاء في الأرض فلو أخبرني يهودي أو إنسان فاسق فأجر بمعلومة شرعية أو وضعية وكان ثقة في نقله ومعتمد عند العقلاء فقد لزم أن أقبل الخبر وإلا أكون متزمناً متحجراً منحرفاً عن العقل والعقلاء وهذا ليس مثل من وضعه المعصومين الطيبون(ع) حجة على الناس وأمروا بالافتداء به والرد عليه كالرد على الله تعالى ورسوله(ص) وهو على حد الشرك بالله تعالى وتسليطه والعياذ بالله تعالى على إعراض المسلمين ودمائهم وأموالهم وكل شئونهم في الحياة ثم أنه بمناسبة الحكم والموضوع نعلم أن قوله (حسن في حبنا) يعني الكيف لا الكم والذي يشكل في ذلك يكابر.

 

الرواية الخامسة أكثر صراحة من الكل:
عن علي بن سويد قال: كتب إلي أبو الحسن الأول وهو في السجن: وإما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك لا تأخذ معالم دينك عن غير شيعتنا فأنك أن تعريتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أمانتهم،أنهم ائتمنوا على كتاب الله جل وعلا فحرفوه وبدلوه فعليهم لعنة الله ولقبه رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي شيعتي إلى يوم القيامة (6) وأخذ معالم الدين عبارة أخرى مطابقة أو ملازمة للتقليد بل أن التقليد أخص من المطلق إلا خذلان التقليد أخذ وتطبيق وعمل بتلك المعالم كما فسرت التقليد وإما السند ففيهما الفرقتان كما قلنا في مراجعة أهل البيت(ع) وفي الخطر بنفس العبارة والإضافة إلى ذلك حكي عن التنقيح أنه قد وقع محمد بن إسماعيل الرازي في رجال تفسير علي بن إبراهيم وقد أعتبرهم التنقيح مراراً وقال أيضاً عنه: (لا يخفى أن الرجل وأن لم يوثق في الرجال إلا أنه ممن وقع في أسانيد تفسير علي بن إبراهيم القمي فبناء على ما عليه سيدنا الأستاذ (قدس سره)(7)، من وثاقه كل من وقع في سلسلة أسانيد ذلك الكتاب أعني تفسير القمي لا بد من الحكم باعتبار الرواية.
وإما علي بن حبيب المدائني ففي جامع الرجال قوله: روى الكشي عنه حديثاً جيداً يدل على حسن اعتقاده وظاهر الكشي الاعتماد عليه (8)،والكلام قد طوله بعضهم بما لا يحتاج إليه والقضية ثابتة.


(1) سورة النساء:الآية 60.

(2) الوسائل ب11 ح1 حقائق القاضي ذكر بعضه في البيان 3/37.

(3) البيان 3/38 عن التنقيح والمستمسك ومباني المنهاج 1/24.

(4) البيان 3/48 عن الوسائل ب10 ح20 صفات القاضي عن الاحتجاج.

(5) الوسائل ب11 ح45 صفات القاضي.

(6) الوسائل ب11ص42 صفات القاضي عنه البيان 3/53.

(7) يقصد السيد الخوئي.

(8) البيان 3/54عن الجامع في الرجال 3/520.