الاحتياط وتعريفه وبعض اقسامه واحكامه:

حكم:- ان الاحتياط باب واسع وله تدخل في كل مبحث من بحوث الإحكام الشرعية وهو الاتيان بكل ما يحتمل دخله في العبادة أو المعاملة شرطاً ككون الطواف بين الكعبة والمقام أو مانعاً ككون البكاء يبطل الصلاة أو جزءً ككون جلسة الاستراحة تجب قبل القيام.

 

وهو ينقسم إلى الإحكام الخمسة:
فالوجوب الاحتياطي هو ما لم يتيقن المفتي بالوجوب والحرمة كذلك والاستحباب الاحتياطي كذلك إذا لم يثبت بضرس قاطع رجحإنه الشرعي وهذا يتوقف على عدم دليلية ادلة التسامح على استحباب ما ورد بغير ثقة وهو بعيد فإني ارى ان ادلة التسامح وهي احاديث قد تكللت القبول والثواب وليس الاستحباب الشرعي اكثر من ذلك ولعله سيأتي مناقشاتهم لأسقاط الاستحباب وجعلها لمجرد عنوان الرجاء وجوابنا لهم كما قد سبق الرد على القائلين بالرجاء والمتوقفين عن اثبات الاستحباب الشرعي وعليه فلا حاجة للاحتياط في الاستحباب نعم يمكن ان يكون عنوان الاحتياط في فتوى المفتين بأستحباب شيء فلا يثبت لدينا استحباب بمجرد فتوى مفتي ان لم نستكشف اعتماده على حديث فحل ذلك ان نقول بالاحتياط الاستحبأبي واما الكراهة فالكلام حولها اشد واكثر اختلافاً.
ثانياً – ان العمل بالاحتياط ينافي قصد الوجه فلا يستطيع ان ينوي الوجوب التفصيلي بهذا الجزء المشكوك وانما ينوي الاحتياطي وكذا ينافي قصد التمييز العبادي عن غيره لإنه يؤدي السورة مثلاً بأحتمال إنها جزء للعبادة ويعمل بكل شروط السجود بأحتمال لزومها في سجود آية السجدة بينما يجب عليه ان يميز بين اجزاء العبادة يقيناً وتفصيلاً عن غيرها والزائد عليها وفيه ان وجوب التمييز والقصد التفصيلي أول الكلام ولا دليل عليه وان قصد الوجه (الوجوب أو الاستحباب) ان ثبت في اصل نية الصلاة مثلاً وهو لم يثبت فلم يثبت في كل جزء جزء منها يقيناً بل لا يجب أي تفصيل لأصل الصلاة ولا لأجزائها في النية غير إنها قربة إلى الله نعم عبر الفقهاء بالنسبة للشاك في عدد ركعات الصلاة بالقول إنه ينويها ثالثة ويقوم للرابعة أو ينويها رابعة ويسلم ويأتي بركعة احتياط.. وهكذا وهم لم يقصدوا اهمية تعيين العدد في صحة الصلاة قطعاً وانما قصدوا تنظيم الكيفية لتعريفه عدد ما يؤدي من الركعات بعد التسليم ويكون تلقين العدد للعوام ليعملوا بذلك العدد.
ثالثاً- الشك في تحقق الامتثال مع ترك الامتثال التفصيلي إلى الاجمالي الاحتياطي بدعوى إنه إذا وجب الشيء فلا بد على المكلف ان يتيقن من ادائه بشروطه واجزائه حتى يعلم فراغ ذمته.
قلنا: ان اداء الشرائط والاجزاء اليقينية كاف في الامتثال والزوائد منها تبنى على البراءة والاطلاق هذا سواء قلنا بالصحيح أو الاعم وقد تبنيت عدم الملازمة بين القول الصحيح وبين لزوم الاتيان بكل المحتملات ولم يلتزم الفقهاء بالملازمة الجدية والكلية بل بالنسبية والجزئية فبعض الشروط له الاهمية بحيث لو لم ينوه شك في تحقق العبادة واتيان مصاديقها فهذا ان ثبت فلا ضير فيه وكيف كان فهذا الشك والارتياب في غير محله.
حكم الثاني في الموارد: الاحتياط في العبادة فيما كان الامتثال التفصيلي بالتكرار كالصلاة في الثوبين المعلوم بنجاسة احدهما غير المعين أو الشك فيه ولا يستطيع تحصيل العلم التفصيلي بالطاهر الخالي من الاشكال الا بالتكرار والاشكال فيه أولاً بإنه يعدم قصد الوجه بهذا التكرار ورد بإنه شاذ ولا دليل عليه وان نية الوجه إذا وجبت فلا تجب في حالة عدم قدرة المكلف على تحصيل التفصيلي والا لبطل الاحتياط في كل مسائل العبادة ولعل منع ابن ادريس (رحمه الله) من الصلاة بالمشتبهين وإنه يصلي عارياً لأجل مبغوضية الصلاة بالنجس الزائدة على حسن الاحتياط لا من جهة الاشكال بعدم قصد الوجه اقول ان هذه المبغوضية بهذا الحال تبرعية بل ان مبغوضية الصلاة عارياً فائقة عليها ومعيبة.
والاشكال ثانياً- بأن اتيان الصلاة مرتين وقد صدر الامر بالاتيان بها مرة فهو تشريع يحتمل التحريم ورد ان التشريع هو اداء ما ليس من الدين بقصد إنه من الدين والاحتياط انما هو طريق لتحصيل المصداق للامر الشرعي اقول أن تكرار العبادة ليس فيه ضير حتى غير حال الاحتياط وحتى في حال اليقين بصحتها وقد ورد بتكرار الفريضة في الجماعات اماماً ومأموماً فإنه يحصل ثواب كلتا الصلاتين وورد في المعادة في بعض الاحوال ان الله يختار وثييبه عبده على احسنهما وان الصلاة على الجنازة إذا تسلسل حضور معارضيه واحبائه وكل من يأتي يريد ان يستثاب بالصلاة عليه من باب التحية وتكرار الاحترام فلا اشكال ابداً وان اكثروا الاشكالات والمفاوضات التبرعية هذا إذا لم يكن محذور آخر في فتوى ابن ادريس (رحمه الله) والالف لا يلتزم يقينا مثلاً إذا كان ناظر محترم فهل ان يصلي عارياً دفعاً للاحتياط الموجب للتكرار؟ كلا يقينا وخصوصاً إذا كانت امرأة بل اقول اكثر من ذلك فإن الصلاة بالنجس حتى باللباس المستحب يجوز حين وجود ناظر محترم وذلك لما يلحق الانسان من الحياء امام الناس بأن مرجع ديني مثلاً أو شخص عزيز مقدس بين الناس يتعرى من اللباس ويصلي بالسروال القصير الساتر للصورة فقط فهذا حرج شديد بل عار اكيد ولا يدفع هذا الخزي حالة الاضطرار هذا حتى غير نحو الاحتياط كما سيأتي في محله.
المورد الثالث: الاحتياط في العبادات فيما يمكن الامتثال التفصيلي مع لزوم التكرار بسبب الاشتباه الموضوعي أو الحكمي كأشتباه القبلة أو القصر والتمام إذا تمكن المكلف من العمل التفصيلي بالاجتهاد أو التقليد أو سؤال اهل الخبرة والمشهور الجواز مطلقاً وهو قطعي لدينا ومدعوم بالادلة اللفظية والعقلية والجواز لمطابقة المأتي به للمأمور به وعدم الدليل على المنع مع سهولة الملة ويسر الإسلام والقول الثاني المنع مطلقاً وهو قول شاذ.
والثالث: المنع إذا كان التكرار غير عقلائي والاجازة مع العرف العقلائي ودليله صرف ادلة المانعين لغير العقلائي ودليل المنع نفس الادلة التي ذكرنا آنفاً ودليل ثاني وان هذا المكلف يعد لاعباً إذا تكرر العمل بشكل شاذ مثلاً إذا اشتبه القبلة واشتبه صدق السفر واشتبه الثوب الطاهر بين خمسة اثواب فالصلاة إلى اربع جهات ×2 قصر وتمام ×2 ظهر وعصر×5 اثواب = 80 صلاة بينما يستطيع ان يصلي صلاة واحدة ظهراً واخرى عصراً فهذا يعد من السفه في صرف الطاقات واسراف الوقت وعمل النوكر ويضيف إنه إذا منعنا التكرار الكثير فالقليل مثله لأن الامثال فيما لا يجوز واحد ودليل ثالث لزوم كون المحرك في دين الإسلام هو امر الله وامر رسوله لا تطبيق مرتجل من المكلف ورابع توقف صدق الطاعة على الاداء التفصيلي الا في عدم التمكن فلا بأس بالاجمالي.
ورد الدليل الأول: ان الاحتجاج باللعب وما شابه قد اكثر الاحتجاج بها واصبحت مثل النذر وهو حمار يركبه ويفرضه كل فقيه لم يكن له طريق لتوجيه مسألة كما قيل الراء حمار الشعراء فأولاً ما هو الضير بأكثار عبادة الله تعالى والتوسع بكثرة ذكره واحداث اساليب وطرق لا دليل على منعها لزيادة التقرب وما ادراك في قلبه إنه يقصد اللعب والسفه والاستهانة؟ بل الذي هذا دائبه بعيد عن اللهو واللعب اليس على بن أبي طالب(ع) قد صلى في كل يوم الف ركعة والعرف في بابك انظره فهل يقدسون ويعظمون فكثر العبادة بسبب امر آخر أو يفسقونه ويخبلونه نعم ان من كان له شغل شرعي وواجب حياتي فلا ينبغي له ان يتأخر عن التزاماته الاجتماعية وواجباته الحياتية وثانياً ان كل ما فعل العبد مما فيه سفه اكيد وصادم واجب آخر فهذا مرفوض شرعاً وعرفاً وليس منه ان يحتاط فيعيد الصلاة اربع أو خمس مرات ولا وجه لضرب الامثلة المتضخمة لمنع كل شيء من اعمال الناس هذا واني اعتقد كما سيأتي بكفآية الصلاة لجهة واحدة عند اشتباه القبلة وبهذا قد اسقطنا لك ستين صلاة وابقينا عشرين.
وثانياً إنه لعب في طريق تحصيل العبادة الواقعية وليس في العبادات وفي تعبير الفقهاء إنه لعب في كيفية اداء العبادة واما الطاعة الواقعية فقد تادت بواحدة وكانت تامة الشروط في علم واعتبر بأمر الوالد ابنه ان يذهب إلى النهر وقد فعل الولد فما على الوالد ان الولد سلك طريق الزقاق أو السوق أو مر بكليهما حتى وصل وكيف كان: لو امر المولى بشيء وجمع العبد بأمور عديدة ليتوصل تطبيق مراد المولى فجمع بين واجب ومستحب بأرادة اداء الواجب فقد ادى الواجب وكذا لو جمع بين مباح وواجب وكذا لو جمع بين مكروه وواجب بل وكذا لو جمع بين حرام وواجب فكان مطيعاً وعاصياً كمثل المريض قيل له اشرب الدواء وكان لم يعرفه فشرب الخمر وشرب الدواء فهذا لا لوم عليه من جهة الاطاعة وانما العقاب بالحرام هو منهي.
واما رد الدليل الثالث: فالدعوى من صغرى وهي يلزم على العبد ان ينبعث عن امر المولى لا من عنده والكبر هي إنه انبعث من ابتكاره لا من الكيفية التي امره المولى بها والجواب للكبرى الانبعاث بأحتمال الامر يرجع بالاخرة للانبعاث عن ذات الامر ولم نر آية أو روآية ولا دليل عقلي ينفي الاداء الاحتياطي عن كونه تطبيقاً لأمر المولى وبهذا تفسر الصغرى ايضاً اذ ان الانبعاث عن ذات المولى يصدق على الانبعاث الاحتمالي والأوامر الشرعية الداعمة لتصحيح تطبيق الامر بالاحتياط موجودة وغير عزيزة ومنها:(اخوك دينك فأحتط لدينك بما شئت)(1) ان قلت ان هذا الحديث لا يقصد التكرار بعنوان الاحتياط في كيفية العمل وانما يقصد ان تهتم لدينك وتبتعد عن الشبهات فيه وتتعلمه قلت نعم ولكن يستفاد منه ايضاً اجازة الاحتياط في كيفية الاداء ونحن لا نقول بالوجوب وانما الاجازة والتصحيح.
واما الرابع وهو توقف صدق الطاعة بالامتثال الاجمالي على عدم التمكن من التفصيلي فأجيب بعدم الدليل على هذا الترتيب:


(1) الوسائل 12/41 صفات القاضي.