مقدمة العبادات:

وخبر مسعدة عن جعفر بن محمد عن آبائه(ع): (إن رسول الله(ص) سئل فيم النجاة غداً قال إنما النجاة في أن لا تخادع الله فيخدعك فإنه من يخادع الله يخدعه ويخلع منه الإيمان إنما يخدع نفسه لو يشعر، قيل له فكيف يخادع الله؟ قال يعمل بما أمره الله ثم يريد به غيره فاتقوا الله في الرياء إنه الشرك بالله إن المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر، حبط عملك وبطل أجرك فلا خلاص لك اليوم فألتمس أجرك ممن كنت تعمل له)(1).


حكم 17: لا بطلان للعبادة بالرياء ما لم تنتف معه النية بالمرة.
إن الروايات دلت على العقاب بالنار على الرياء فهو من كبائر الذنوب ودلت على عدم قبول الأعمال وعدم القبول أمر والبطلان أمر آخر لا ملازمة بينهما ولعل الحديث الآنف يدل على حصول عمل ولكنه بسبب الرياء يحبط بعد حصوله ويحصل الأجر ولكنه يبطل بالرياء فإذا حصلت التوبة ولو في آخر العمر بقي العمل وأرتفع الاحباط ورجع الأجر ومثل قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ] (2).
فالبطلان للعبادة لم يصرح به في الرياء وإنما هو الأذى وثانياً إنها في العبادة المستحبة وليس في إسقاط الواجبات عما في الذمة ويمكن التفريق ببطلان أحدهما وعدم البطلان في اللزومية.
ثم إن الرياء هنا بمعنى الكفر وأنكار يوم القيامة كما في آخر جملة في الآية فليس هو الرياء العادي.
هذا بالإضافة إلى عدم وجود روآية تأمر بوجوب أعادة عبادة الشخص من المؤمنين مع كثرة المرائين من العبادة ولا فتوى لعالم بوجوب إعادة عبادة الشخص ثم تاب عن ريائه.


حكم 18: من علامات الرياء والنفاق والنشاط في الملأ والكسل في الخلوة.
فحديث السكوني عن أمير المؤمنين(ع): (ثلاث علامات للمرائي: ينشط إذا رأى الناس ويكسل إذا كان وحده ويحب أن يحمد في جميع أموره) (3).


حكم 19: يكره للشخص أن يمدح نفسه إلا مدفعاً عن نفسه ولا يكره سروره بأطلاع الآخرين على حسناته بدون ان يذكرها هو.
قال تعالى: [فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى] 35/52. وعن أبي جعفر الباقر(ع): (إنه قال: الإبقاء على العمل اشد من العمل قيل وما الإبقاء على العمل، قال: يصل الرحم بصلة وينفق نفقه لله وحده لا شريك له فكتبت له سراً ثم يذكرها فتمحى له علانية ثم يذكرها وتكتب له رياءً) ب 14.
وخبر زرارة عنه(ع): (قال سألته عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك قال: لا بأس ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن ذلك لذلك) ب 15.


حكم 20: استحباب تحسين العبادة ليراه آخرون ويقتدون به وربما يجب بوجوب الأمر بالمعروف وبه ورد.
خبر أبن أبي يعفور قال أبو عبد الله (ع): كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير فإن ذلك داعية ب 16.


حكم 21: أفضلية العبادة في السر عليها في العلانية عن محمد الأزدي عن أبي عبد الله (ع): [قال الله عز وجل إن من اغبط أوليائي عندي عبداً مؤمناً ذا حظ من صلاح أحسن عبادة ربه وعبداً الله في السريرة وكان غامضاً في الناس فلم يشر إليه بالأصابع وكان رزقه كفافاً فصبر عليه فعجلت به المنية فقل تراثه وقلت بواكبه](4).


حكم 22: قاعدة من بلغه التي استفاد العلماء منها دليل التسامح في أدلة السنن أي إن كان عمل لزومي اي ليس بحرام ولا واجب قد ورد كراهته أو أستحبابه أو إباحته يمكن ثبوته بعنوإنه بخبر ضعيف كما عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله(ع): (من بلغه عن النبي(ع) شيء من التواب فعمله كان أجر ذلك له وأن كان رسول الله لم يقله).


حكم 23: كثرة ثواب التفرغ للعبادة وحبها.
خبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله(ع): (قال في التوراة مكتوب يا أبن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غناً ولا أحملك إلى طلبك وعلي أن أسد فأقتك وأملأ قلبك خوفاً مني وإن لم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك شغلا بالدنيا ثم لا أسد فاقتك وأحملك إلى طلبك) (5).
وعن أبي جعفر(ع): (كفى بالموت موعظة وكفى باليقين غنى وكفى بالعبادة شغلاً).ج4.
وعن أبي عبد الله(ع): (إياك والسفلة: فإنما شيعة علي(ع) من عف بطنه وفرجه وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه إذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر(ع)(6).

حكم 24: استحباب المواظبة على العبادة خبر زرارة عن أبي جعفر(ع): (أحب الأعمال إلى الله عز وجل ما دام العبد مواظباً عليه وإن قل)(7).
واستحباب الاعتراف بالتقصير في العبادة وحرمة الإعجاب بالنفس.
فحديث أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر قال: قال رسول الله(ص) قال عز وجل لا يتكل العاملون لي على أعمالهم التي يعلمونها لثوأبي فإنهم لو أجتهدوا وأتعبوا أنفسهم وأعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين بعبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي في كرامتي والنعيم في جناتي وريع الدرجات العلي في جواري ولكن برحمتي فليتقوا وفضلي فليرجوا وإلى حسن الظن بي ليطمئنوا (8).
وعن أمير المؤمنين(ع): (أعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله)(9).وعن علي بن الحسين(ع): (قال رسول الله(ص) ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه).


حكم25: رجحان الاقتصار على الواجبات عند حصول الملل والكسل عن أبي عبد الله(ع): (قال مر بي أبي وأنا بالطواف وأنا حدث وقد أجتهدت في العبادة فرآني وأنا أتصبب عرقاً، فقال لي: يا جعفر يا بني أن الله إذا أحب عبداً أدخله الجنة ورضي عنه باليسير) (10).
وعن أبي عبد الله(ع) أيضاً (قال رسول الله(ع) يا علي إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغّض إلى نفسك عبادة ربك إن المنبت).يعني المتسرع المتهور(لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع فأعمل عمل من يرجو إن يموت هرماً واحذر حذر من يتخوف أن يموت غداً).ج7.


حكم 26: أستحباب تعجيل فعل الخير
قال الله تعالى [سَارِعُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَأواتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ](11).(سابقوا الخيرات).
وعن النبي(ص): (يا أبا ذر أغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك) وقوله(ص): (خير البر عاجله).
وعن الحسن بن علي عن أبيه(ع) قال: (إذا عرض لك شيء من أمر الآخرة فابدأ به وإذا عرض لك شيء من الدنيا فتإنه حتى تصيب رشدك). ب 27.


حكم 27: لا يستقل شيء من العبادة
عن أبي جعفر عن آبائه عن علي(ع): (أن الله أخفى أربعة في أربعة أخفى رضاه في طاعته فلا تستصغرن شيئاً من طاعته فربما وافق رضاه وأنت لا تعلم وأخفى سخطه في معصيته فلا تستصغرن شيئاً من معصيته فربما وافق سخطه معصيته وأنت لا تعلم وأخفى أجابته في دعوته فلا تستصغرن شيئاً من دعائه فربما وافق أجابته وأنت لا تعلم وأخفى وليه في عباده فلا تستصغرن عبداً من عبيد الله فربما يكون وليه وأنت لا تعلم).


حكم 28: معنى عدم القبول والولآية
ورد في عدة من الأحاديث إنه لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد أو إن المرأة التي تبيت وزوجها غاضب عليها فلا يقبل لها صرفاً ولا عدلاً أي لا صلاة ولا صيام ولا الأحسان على الناس فعدم القبول ليس معناه عدم الصحة بل خفة وقلة الثواب وذلك للمعصية المصاحبة لتلك العبادة ومن هذا القبيل ما في تفسير القمي(قدس سره) عن أبي جعفر(ع) في قوله تعالى: [وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى] قال: إلا ترى كيف أشترط ولن تنفعه التوبة والإيمان والعمل الصالح حتى أهتدى والله لو جهد أن يعمل ما قبل منه حتى يهتدي قال قلت إلى من جعلني الله فداك قال لنا (12) وعليه فلو كان غير معتقد بإمامة الأئمة الأثني عشر(ع) فصلاته مسقطه عن ذمته بحيث لا يحشر يوم القيامة مع تاركي الصلاة نعم يدخل جهنم مع المنكرين لولآية الحق وأهل الحق(ع) ولا تنفعه عبادته.
ومن ذلك ما روى محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول كل من دان الله عز وجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله.
نعم لو كان الشخص معادياً ظالماً لأهل البيت وشيعتهم فهو كافر وليس بمسلم حتى تصح أعماله كما في تتمة الحديث المذكور قال (وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق وأعلم يا محمد إن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد)(13).


حكم 29: من كان مؤمناً ثم كفر ثم آمن لم يبطل عمله في إيمإنه الأول كما في خبر زرارة عن أبي جعفر(ع) قال: (من كان مؤمناً فحج وعمل في إيمإنه ثم اصابته فتنة في إيمإنه فكفر ثم تاب وآمن قال يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمإنه ولا يبطل منه شيء). ب 30 (14).


حكم 30: لا يجب على المخالف إعادة إعماله لو استبصر وكان قد عملها بحسب معتقد الشيعة كما في خبر بريد عن أبي عبد الله(ع): (كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم من الله عليه وعرفه الولآية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها لإنه وضعها في غير موضعها لأنها لأهل الولآية وإما الصلاة والحج والصيام ليس عليه قضاء). ب 31.


(1 ) ب11 ح16.

(2 ) البقرة: 246.

(3 ) ب 13 وسائل مقدمة العبادات.

(4 ) ب 17 ح1 مقدمة.

(5 ) ب19 ح1.

(6 ) ب 20 ح7.

(7 ) ب11ح5.

(8 ) ب22ح5.

(9 ) ب23 ح6.

(10 ) ب 36 ح3.

(11 ) آل عمران 133.

(12 ) وسائل ب 29 ح19.

(13 ) وسائل ب29 ح1 مقدمة العبادات.

(14 ) مقدمة العبادات.